معارك حاسمة في الخرطوم.. الجيش يتقدم في العاصمة وحرب ضارية حول المصفاة

بعد 17 شهرًا من اندلاعها، عادت الحرب السودانية إلى مهدها في العاصمة الخرطوم، عندما عبر جنود الجيش جسري الفتيحاب والنيل الأبيض من أم درمان إلى العاصمة السودانية فجر الخميس الماضي، فيما غطى الطيران الحربي والمُسيرات السماء وتصاعدت أعمدة الدخان في أنحاء مختلفة بالخرطوم نتيجة للانفجارات الضخمة.

ودارت اشتباكات عنيفة الأحد، لليوم الرابع على التوالي في منطقة المقرن الحيوية، نقطة التقاء النيلين الأبيض والأزرق في الخرطوم، القريبة من القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش.

عودة الحرب إلى الخرطوم اتسمت بالمفاجأة، مثلما اندلعت سابقًا صباح يوم 15 أبريل 2023، ولكن هذه المرة من بادر كان الجيش وليس قوات الدعم السريع التي هاجمت العاصمة والولايات بشكل متزامن في المرة الأولى.

في بحري، التي عبر الجيش إليها أيضًا من أم درمان عبر جسر الحلفاية حققت قواته أحد أكبر تقدماتها منذ اندلاع الحرب، وتمكنت من ربط قواتها القادمة من أم درمان مع تلك الموجودة في بحري، ولا تزال الاشتباكات مستمرة فيها حتى صباح اليوم الأحد.

وأعلن الجيش الجمعة سيطرته على كامل منطقة الكدرو، التي يربطها شارع المعونة مع مدينة بحري القديمة حيث يوجد مقر سلاح الإشارة التابع للجيش.

وفي أقصى شمال بحري تقدم الجيش والقوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة نحو مصفاة الخرطوم (الجيلي)، كما استطاعت الفرقة الثالثة مشاة بولاية نهر النيل من استعادة السيطرة على منطقة حجر العسل القريبة من بحري مساء الجمعة.

وغربًا، لا تزال حرب الفاشر تحتدم، حيث واصلت «الدعم السريع» قصفها المدفعي على المناطق المدنية، فيما قصفها الطيران الحربي بالمقابل، كما وقعت اشتباكات برية مباشرة. وبدا وضع الجيش وحلفائه آخذًا في التحسن عسكريًا بعدما وصلت إلى الفاشر 300 عربة قتالية بكامل عتادها ومقاتليها، بحسب مصدر عسكري، بجانب استمرار الإسقاط الجوي للعتاد العسكري على مقر الفرقة. وفي جبهات ولاية الجزيرة، دارت مواجهات مباشرة وسط غطاء جوي لقوات الجيش.

وشهد صباح الخميس الماضي، خطوة كبيرة من الجيش السوداني، حين عبرت قواته إلى مدينة الخرطوم من أم درمان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، وذلك عن طريق جسري النيل الأبيض والفتيحاب الواقعين في منطقة أم درمان العسكرية التي تضم مقر سلاح المهندسين.

إثر عبور القوات، أصبحت منطقة المقرن الاستراتيجية غربي الخرطوم ساحة لأشرس المواجهات العسكرية، والتي قد تصبح نتيجتها حاسمة في ربط الجيش لقواته القادمة من أم درمان مع نظيرتها الموجودة في مقر القيادة العامة الجيش، ما قد يسفر عن واقع عسكري جديد في مركز العاصمة الحيوي.

عملية الجيش البرية التي شارك فيها لواءين، والمدعومة من الطيران الحربي والمُسيرات والمدفعية الثقيلة الموجهة، حوّلت منطقة المقرن التي تضم أكبر وأعلى بنايات الخرطوم وبنك السودان المركزي، إلى ساحة مواجهات عنيفة حيث تصاعد الدخان فوق سمائها طيلة نهار الخميس الماضي.

بدأت عملية الجيش العسكرية الأكبر في الخرطوم في الساعة الواحدة صباحًا من يوم الخميس، حين انطلقت قواته من داخل مقر سلاح المهندسين في أم درمان، وصولًا إلى كوبري الفتيحاب الذي يعد جزءًا من محيط منطقة أم درمان العسكرية، لتتوغل إلى داخل مقر سلاح الاستراتيجية العسكرية الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع في أبريل الماضي.

وقال مصدر عسكري لـ«مدى مصر» إن قوات الجيش توغلت إلى قلب السوق العربي الواقع في محيط القصر الرئاسي بالإضافة إلى مناطق متاخمة لمحيط ميدان جاكسون، وهي المناطق الخاضعة لسيطرة «الدعم السريع».

وتعد منطقة قلب الخرطوم التي وصلت إليها قوات الجيش هي المنطقة الاستراتيجية التي تقع ما بين القيادة العامة ومنطقة الشجرة العسكرية.

أما في مدينة بحري شمالي الخرطوم، وبحسب عدة مصادر عسكرية، فإن معارك ضارية وقعت في المدينة التي تسيطر «الدعم السريع» على أجزاء واسعة منها، خاصة الأجزاء الشرقية والشمالية الشرقية، بالإضافة إلى مناطق مجاورة لحي شرق النيل، وطول الشريط النيلي المطل على أم درمان.

واستغلت قوات الدعم السريع وجودها على ضفاف النيل، في قصف مدينة أم درمان، ما أسفر عن مقتل 50 مدنيًا خلال الأسبوع الماضي، بين يومي 19-25 سبتمبر الحالي، حسبما قال مصدر طبي بوزارة الصحة بولاية الخرطوم لـ«مدى مصر».

بحسب المصادر العسكرية، تمكن الجيش من فتح محاور متعددة بالمدينة شملت أحياء: الكدرو والدروشاب والسامراب ونبتة، فيما وصل السبت 28 سبتمبر إلى منطقة الحلفايا على بعد عدة كيلومترات من «سلاح الإشارة» بعدما التحمت قواته القادمة من أم درمان بالقوات الموجودة في بحري. أيضًا في محور الجيلي، أقصى شمالي بحري، استطاع الجيش التوغل حوالي 15 كيلو مترًا جنوبًا تجاه مصفاة الخرطوم للبترول (الجيلي)، والتي تسيطر عليها «الدعم السريع» منذ اندلاع الحرب.

وقال مصدر عسكري لـ«مدى مصر»، إن الجيش دمر حوالي 20 سيارة دفع رباعي، بالإضافة إلى قتل حوالي 200 فرد من قوات الدعم السريع في معارك بحري.

وأفاد المصدر العسكري أن الجيش شن عملية عسكرية في منطقة حجر العسل بنهر النيل المجاورة لمنطقة الجيلي، حيث عمل على تدمير عدد من السيارات التابعة لـ«الدعم السريع» بجانب تحييده لعدد من مقاتليها.

خريطة معارك الخرطوم
في 15 أبريل 2023 دارت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حول القصر الرئاسي ومقر القيادة العامة للجيش ومطار الخرطوم الدولي، وتكمن أهمية هذا المحور في أنه يضم مقرات سيادية ذات تأثير أساسي في القرارات السياسية والعسكرية.

وتمكن الجيش مع اندلاع الحرب من تأمين «القيادة العامة»، فيما سيطرت قوات الدعم السريع على القصر الرئاسي.

وفي أغسطس الماضي قصف الجيش القصر، بعدما بدأت قوات الدعم السريع في استخدامه منصة لقصف مناطق جنوب بحري بما في ذلك مقر سلاح الإشارة الذي يفصله النيل الأزرق عن «القيادة العامة» بوسط الخرطوم.

بالإضافة إلى ذلك، سيطر الجيش على أجزاء من مطار الخرطوم الدولي القريب من «القيادة العامة»، ويشمل ذلك جزءًا من المدرج، فيما سيطرت «الدعم السريع» على مباني المطار الرئيسية.

كما آمن الجيش محيط سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية التي انطلقت منها القوات العسكرية في أغسطس 2024 من أجل تمشيط أجزاء واسعة من الأحياء المحيطة بالمنطقة العسكرية.

مدينة الخرطوم بحري شمالي العاصمة، أيضًا كانت ساحة للمواجهات مع اندلاع الحرب، وشملت المواجهات مناطق شرق النيل وكوبري المنشية وحي كافوري وكوبري شمبات وكوبري الحلفايا ومحيط سلاح الإشارة، وتتمثل أهمية هذا المحور في أنه يمثل خطوط الإمداد والدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع.

ويوم الخميس الماضي، بدأ الجيش عملياته العسكرية في محيط منطقة سلاح الأسلحة بمنطقة الكدرو العسكرية وأيضًا محيط سلاح الإشارة.

كما عمل الجيش على مدار الأشهر الستة الماضية على قطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع في مناطق شرق النيل وشمال بحري بمصفاة الخرطوم، التي فشل الجيش في السيطرة عليها، حيث يحاصر الجيش مصفاة الخرطوم منذ أبريل 2024، بحسب مصدر عسكري بمنطقة شمالي الخرطوم.

محور أم درمان، غرب العاصمة الخرطوم يشمل محيط مقر الإذاعة والتلفزيون ومحيط سلاح المهندسين وقاعدة وادي سيدنا، وتتمثل أهميته للجيش أنه نقطة إمداد وتحكم وسيطرة على القوات التي تتدفق من أم درمان حتى معسكرات جنوبي الخرطوم سواء في منطقة الشجرة العسكرية أو في «القيادة العامة» التي تدير حتى هذه اللحظة العمليات الحربية.

وبحسب عدة مصادر رفيعة بالجيش، فإن «القيادة العامة» تعمل كما في السابق حيث تدير التوجهات الحربية وتشرف على المناطق العسكرية في جميع مدن السودان وأقاليمه بما فيها الفاشر وبابنوسة التي حافظ الجيش على مواقعه فيها.

عمليات عسكرية في الجزيرة
في ولاية الجزيرة وسط السودان، دارت مواجهات عنيفة بين قوات الجيش و«الدعم السريع» يوم الأحد الماضي 22 سبتمبر، بعد محاولة الأخيرة استعادة السيطرة على قرية الشايقاب، فيما أكد مصدر محلي تصدي الجيش للهجوم وتكبيد «الدعم السريع» خسائر فادحة في العتاد والأرواح.

وقال المصدر لـ«مدى مصر»، بعدما طلب عدم ذكر اسمه، إن القتال اندلع منذ ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد، واستمر لنحو ست ساعات، وقطع الطيران الحربي إمداد وتعزيزات لـ«الدعم السريع» قادمة من مدينتي ود مدني والحصاحيصا، مما عزز من موقف قوات الجيش على الأرض.

وأشار المصدر إلى مقتل وجرح العشرات من قوات الدعم السريع، وتدمير عدد من العربات القتالية والمدرعات والاستيلاء على أخرى، بالإضافة إلى مقتل ثمانية أفراد من الجيش وجرح 12.

ولفت مصدر عسكري إلى أنه طوال الأسبوع الماضي، نفذ الطيران الحربي التابع للجيش سلسلة من الغارات على تمركزات «الدعم السريع» في قرى بيكة والطلحة والكريبة، فضلًا عن هجمات أخرى استهدفت مواقع في مدينة ود مدني عاصمة الولاية ومدينة الحصاحيصا.

واستعاد الجيش قرية الشايقاب الأسبوع قبل الماضي، والتي مثلت أحد الخطوط المتقدمة للدفاع عن مدينة ود مدني بالنسبة لقوات الدعم السريع، التي استولت عليها في ديسمبر الماضي.

وقال مصدر من المقاومة الشعبية بمدينة المناقل لـ«مدى مصر»، الأربعاء الماضي، إن الجيش تمكن من استهداف رتل لمليشيا الدعم السريع بمدينة الحصاحيصا عبر الطيران والمسيرات والمدفعية الموجهة، مشيرًا إلى أن الرتل كان في طريقه للهجوم على دفاعات الجيش المتقدمة في المحور الغربي.

ويحشد الجيش المدعوم بقوات هيئة العمليات والحركات المسلحة ومستنفري [متطوعي] المقاومة الشعبية، منذ أشهر القوات على محورين رئيسين بهدف استعادة عاصمة ولاية الجزيرة ودمدني، حيث انطلقت قوات من محور المناقل غربًًا واستطاعت التقدم حتى منطقة المدينة عرب وقرية الشايقاب التي تبعد نحو 12 كيلومترًا من ود مدني.

أما المحور الثاني، فيقع في الناحية الشرقية بمنطقة الفاو، وحتى الآن اكتفى الجيش بالقصف المدفعي وتنفيذ عمليات نوعية في القرى القريبة مع صد بعض هجمات «الدعم السريع» في تلك النواحي. وأسفرت عمليات عسكرية قادها الجيش بمساندة من الكتائب الاستراتيجية بولاية القضارف، عن تدمير قوة مهاجمة تابعة لـ«الدعم السريع» خلال الأسبوع الماضي. وقال مصدر عسكري إن الجيش نفذ عملية عسكرية ضد قوة تتبع «الدعم السريع» بمحور الفاو شرقي مدينة القضارف يوم الإثنين الماضي، أسفرت عن تكبيد قوات الدعم السريع خسائر في الأرواح والعتاد.

وفي المحور الجنوبي الشرقي، تحديدًا في ولاية سنار ما زالت بعض المناطق تشهد مناوشات ومعارك محدودة بين الجيش وقوات الدعم السريع مع تحليق مكثف للطيران الذي استهدف، الخميس الماضي، تمركزات لـ«الدعم السريع» في سنجة والسوكي ومصنع سكر سنار وجيل موية، بحسب مصدر عسكري.

تعزيزات عسكرية وتواصل الاشتباكات في الفاشر
وغربًا، في مدينة الفاشر لا تزال المعارك متواصلة، وقال شهود عيان لـ«مدى مصر» إن الجيش تصدى لمحاولة تسلل من أطراف المدينة قامت بها قوات الدعم السريع، الإثنين الماضي.

وأضاف الشهود أن الجيش دمر مدرعة ودبابة وعددًا آخر من العربات القتالية تابعة لـ«الدعم السريع»، الذي واصل استهداف المدينة بالقصف المدفعي على الأحياء السكنية ومرافق الخدمات.

في المقابل، قال مصدر في الحركات المسلحة المساندة للجيش لـ«مدى مصر»، إنهم استطاعوا إيصال تعزيزات تفوق الـ300 عربة قتالية بكامل تسليحها وعلى متنها مقاتلين إلى قواتهم المرابطة في مدينة الفاشر، مؤكدًا أن هذه القوات سيكون لها دورًا كبيرًا في تأمين المدينة وتحرير مناطق أخرى في إقليم دارفور.