استبشروا خيرا بالخريف,, شرق الجزيرة… توفير المال يهدد الموسم الزراعي

 

تقرير – سهير محمد عبدالله:

قلق كبير وتساؤلات ملحة تنتظر من يجيب عليها، مخاوف وجزع ابداه المزارعون بحلول فصل الخريف والذي يجيئ وبلادنا تشهد حربا طال امدها اوشكت أن تقضي على الأخضر واليابس ،جرت على المواطن اعباء ارهقته فبات يشكو شتات الأمور، فما بين السعي لتأمين غذائه وقوت يومه، وبين إيجاد مناطق آمنة تأويه، ظل يرزح في معاناة دون توقف او هدنة يلتقط فيها أنفاسه.

تكاليف الزراعة :

مع هطول الأمطار استبشر المزارعون في بعض مناطق وقرى شرق الجزيرة بخريف هذا العام خيرا ،لما توفرت فيه من أمطار غزيرة ومناخ ملائم للزراعة، الأمرالذي أعاد لهم ثقتهم بعد أن زعزعتها مرارات الحرب، فاقبلوا على تحضير الحقول وتهيئتها ومن ثم زراعتها ،كانت احلامهم تراود السماء والأرض بان يروا محصولهم ينمو شيئا فشيئا في مأمن بعيدا عن شرورالآفات وفوضى المتفلتين إلى أن يحين وقت حصاده، هكذا كان لسان حالهم وهم يغدون جيئة وذهابا فجرا من الخامسة صباحا و حتى حدود التاسعة أو العاشرة صباحا ،وعندما ينتصف النهار من الثانية عشر ظهرا وحتى الخامسة مساء كما هي معروفه ب (الضحوه، والضهريه) يبذلون أقصى ما لديهم من الجهد المضاعف خلال هاتين الفترتين من اليوم، ولان خريف هذا العام اتي على غير العادة حيث لا معاونين (ولانفير ) جاء بإمكانات متواضعة جدا مقابل ما تحتاجه الزراعة من التروس، وقلب الواطه (الحش) وتحضير التقاوى (التيراب) بعدها ،تبدا مرحلة الزراعه (بالسلوكه) أو عن طريق الحرت بالوابورات وبعد ان ينمو( العيش) والمحصولات الاخرى التي تزرع بجانبه كالباميه والبطيخ والتبش والويكه وغيرها من خيرات الخريف تدخل مرحلة نظافة الحقول من الحشائش التي قد تضر بالمحصول وتعرف ب( القليع والكديب)، القليع عادة ما يقمن به النسوه أما الكديب فهو من شأن الرجال ويستخدمون فيه آله ( الملود أو الجرايه) ومن ثم (القطع ) و يليه (لم العيش في التقا) لتسهل معه بعد ذلك عملية (دق العيش) ومن ثم تعبئته في الجوالات وترحيله إلى المنازل.

توفير المال:

جميع تلك المراحل تعتمد اعتمادا اساسيا على الإنفاق وحتى يتمكن المزارع من انجاز تلك المراحل ويضمن انجاح هذا الموسم يتوجب عليه توفير المال في وقت عز فيه الدواء والغذاء والكساء فأصبح من الصعب توفيره ، في ظل هذه الأوضاع الحرجة التي لم تستثني أحد، فقد أثرت الحرب بصورة أو بأخرى حتى على القرى النائية البعيدة التي لم تشهد نزاعات أو اشتباكات بصورة مباشرة ،فمعظم المقيمين في القرى يقضون جل أوقاتهم في الطرقات أو المنازل حتى وان كانوا شبابا فمعظمهم عاطلين عن العمل لأن الحرب افقدتهم مصادر رزقهم و اغلاق الشوارع وفقدان الأمن فيها حد من تحركاتهم ،وانخرط بعضهم للعمل في الزراعة مقابل الاجر ولعله رزق ساقه الله اليهم،بينما ذهب البقية إلى تجارة بعض المواد الاستهلاكية البسيطة يجوبون بها شوارع القرية يحملونها على الدرداقات أو المكوث بها في الشوارع الرئيسية للمارة ، يليهم كبار السن الذين لا يقون على الزراعة ومشاقها،أما الصغار فلا احد يعول عليهم في فلاحة الأرض فهم قليلو الطاقة والخبرة الحيله.

 

التعب فوق كم:

وماتبقى منهم آثر النزوح على البقاء في القرية، توجهوا لبعض المدن المجاورة لاهثين وراء لقمة العيش في محاولة منهم لإيجاد فرص عمل يستطيعون من خلالها تحسين أوضاعهم المعيشية بعدما تقلصت فرص العمل وتوقفت تماما في مناطق كثيره بسبب الحرب ،بينما ظل من بقى منهم قابعا يائسا لايحرك ساكن معرضا عن اي محاوله اوبذل جهد تجاه الأرض أو الزراعة خيفة ان يطال محصولهم وحصادهم عبث المتفلتين ولسان حالهم يقول (يبقى التعب فوق كم) حيث لا توجد جهة رسميه تعمل على تأمين الموسم الزراعي، ولأن المعروف والسائد عن تلك المناطق قبل اندلاع الحرب و على مر التاريخ لم تكن يوما بحاجة إلى تامين من اي جهه فكان الأمن والأمان اهم مايميز تلك المناطق وأنسانها المسالم، ولكن لعل للحروب نهجها وادواتها، ومن الملاحظ ان خريف هذا العام جاء مختلفا بشهادة الذين خبروا الزراعة منذ نعومة أظفارهم فقد كان غزيرا ووفيرا وعلى حد قولهم: (عيين الخريف كلها السنه دي فيه صحت) فجاءت كل عينه حسب مواصفاتها بالتمام والكمال ،مما جعلهم يتوقعون وفرة في الإنتاج، وعن الدور الذي لعبته المرأة في هذا الموسم على وجه الخصوص كان دورا لا يقل أهمية عن ما يقوم به الرجل إبان المواسم السابقة، فكثرة الأمطار واستمرارها دون توقف جعل الحشائش الكثيفة تنمو بكثرة حتى باتت تتخلل محصول الذره او ( بيوت العيش)هكذا يسمونها.،الأمر الذي ضاعف على المزارعين المجهود فباتوا في حاجة إلى زيادة الأيدي العاملة فما كان منهم إلا أن استعانوا بالنساء من سيدات بمختلف أعمارهن و آنسات يرغبن في العمل على القليع( (القش) او الحشائش و هو عمل يدوي شاق يصعب فيه استخدام الآله (الملود-الجرايه) لما تمتاز به تلك الحشائش من قوة وصلابة ، لا يقوى عليها إلا صبر النساء على العمل مقابل اجر زهيد ربما يسهم في سد الحاجة لديهن ،وبعد تلك المرحلة المضنيه من نظافة الحشائش التي كان من شأنها أن تحدث ضررا بالمحصول تبدأ حراسة الحقول ومراقبتها إلى أن ينمو محصول الذرة حتى يصل إلى مرحلة حصاده والتي تأتي بعدها مرحلةز( السكب) وهي قطع القصب وحزمه إلى (كوليقات ) أو ما يعرف بالعلف الجاف ومن ثم يرحل إلى المنازل أو يتم تجميعه في (دكات) ليستفاد منه لاحقا في تغذية الحيوانات طوال العام إلى أن يأتي( الرشاش ) او الموسم القادم..

شر المسغبة:

ومابين هذا وذاك فليطفئ المطر الحريق، ويعيدنا إلى موسم حصاد سنوي بهيج، له دفوفه وأغنياته الخاصة،كانت تنتظره البلاد بأكملها ،و الزراع على وجه الخصوص ،تقام لأجله المهرجانات في بعض المناطق،، ويسمونها أعياد الحصاد في مناطق اخرى من بلادنا الحبيبة لما تحمله من خير مترادم كانت مواسم (فيها يغاث الناس ويعصرون).
لعل تلك الأحلام المشروعة والمستحقه مازالت تعانق حتى الآن جل من بذر بذرة في الأرض ويرجوها أن تعينه على أيام قادمات وتقيه شر المسغبة فهل لهم أن يحلمون؟.