آخر الأخبار

السودان وتركيا.. نقطة تحول أم إعادة تموضع؟

تقرير- الطيب عباس:
حظى رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال زيارته الخميس الماضي إلى تركيا باستقبال فخيم من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرا، ما يعكس حسب مراقبين عمق التحول في العلاقات التركية السودانية.
وتأتي زيارة البرهان إلى تركيا في وقت حساس نسبيا، حيث تحولت الحرب في السودان إلى حرب مدعومة من دول إقليمية حركت مخاوف أنقرا التي شعرت بأنها مصالحة هناك باتت في خطر. وهو ما دفع أردوغان بشكل صريح للقول أن مباحثاته مع البرهان تهدف لتعزيز التعاون في الصناعات الدفاعية مع السودان، حيث تسعى أنقرا لتثبيت موقفها في السودان كشريك عسكري موثوق.
العلاقة بين السودان وتركيا خلال الحرب لم تكن صاخبة أو معلنة على الدوام، لكنها لم تنقطع. فمنذ أبريل 2023، حافظت أنقرة على قنوات تواصلها مع بورتسودان.
حيث اختارت تركيا موقفًا يقوم، في جانبه المعلن، على الدعوة إلى وقف إطلاق النار، مع تأكيد الحفاظ على وحدة السودان، والحفاظ على المؤسسات الوطنية في السودان (الحكومة، والقوات المسلحة)، من الانهيار..هذا بجانب رفض سيناريو التفكك أو سيطرة المليشيات غير النظامية.
وعلى الأرض، اقتصر الدور التركي على الدعم الإنساني والإغاثي، عبر مساعدات طبية وإنسانية للمدنيين المتضررين من الحرب، دون انخراط عسكري معلن أو إعلان انحياز صريح لأي طرف، ولكن تظل الملفات غير المعلنة بيد العسكريين وحدهم.
وخلال هذه الفترة، أيضاً، جرت اتصالات ولقاءات غير معلنة لمسؤولين من الجانبين، غالبًا على هامش مناسبات إقليمية ودولية، بهدف تبادل التقديرات حول مسار الحرب.
من هنا، تبرز زيارة البرهان بوصفها أعلى مستوى تواصل علني بين البلدين منذ اندلاع الصراع، وتعبيرًا عن رغبة متبادلة في نقل العلاقة من إدارة الأزمة إلى إعادة تفعيل الشراكة السياسية مع مؤسسات الدولة السودانية.
اختيار تركيا كحليف استراتيجي، في هذا السياق، بحسب مراقبين لا يبدو تفصيلًا عابرًا. فأنقرة تمثل قوة إقليمية وسطى لا تتحرك بالكامل وفق الإملاءات الغربية، ولا تعيش في عزلة دولية. وهي، في الوقت نفسه، تملك خبرة طويلة في التعامل مع دول تمر بصراعات داخلية، وتقيم علاقات براغماتية مع حكومات عسكرية دون أن تجعل الملفات السياسية الداخلية شرطًا لكل تعاون.
وحسب أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور الفاضل محمد محجوب، فإن تركيا شعرت بتهديد حقيقي من فقدان السودان بسبب التآمر الدولي عليه، ومن هنا يمكن فهم دعوة أردوغان للبرهان لزيارة أنقرا، أنها رسالة في بريد دولة إقليمية داعمة لمليشيا الدعم السريع، أن السودان لن يقاتل وحده، وأن تركيا بجانبه، واعتبر الفاضل، أن الزيارة لا تعتبر نقطة تحول، حيث أن تركيا ظلت على الدوام تدعم السودان، وإنما تمثل إعادة تموضع بشكل صريح وعلني، مشيرا إلى أن تركيا بهذه الزيارة ألقت بثقلها في السودان ودخلت على الخط لإنهاء حرب السودان بكافة السبل، ويرى الفاضل أن تصريحات البرهان، التي أكد أنه لم تبلغ البلدين يوما مثل هذا المستوى من التنسيق تشير إلى أن تركيا حسمت أمرها وقررت الوقوف بجانب الشرعية في السودان بكافة السبل، لافتا إلى أن تركيا لديها تجارب سابقة في الوقوف مع شرعية الدول، واعتبر الزيارة لها ما بعدها.

أهداف أخرى:
يرى مراقبون أن الزيارة تعكس رغبة الدولتين فيتطور علاقاتهما معا، لكن تركيا بخلاف هذا الهدف فإنها تخطط للسودان مستقر ليكون مدخلها للقارة الإفريقية.
وقال القيادي بالكتلة الديمقراطية، داود أحمد الطاهر، في تصريحات نقلتها عنه قناة الجزيرة، إن زيارة البرهان تهدف بالأساس إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع تركيا على مختلف المستويات، معتبرا أن أنقرة تمثل دولة محورية إقليميا ويمكن أن تلعب دورا داعما لاستقرار السودان ووحدة أراضيه.
وأكد الطاهر أن الجيش السوداني لا يعيش حالة تراجع ميداني، بل يمسك بزمام المبادرة في عدة جبهات، مشيرا إلى استعادة مناطق في دارفور، ومشددا على أن السودان دولة ذات سيادة، ومن حقها إبرام اتفاقيات عسكرية ودفاعية مع أي دولة.
وأضاف أن تفعيل اتفاقيات التعاون مع تركيا، بما فيها احتمالات الدفاع المشترك، يأتي في إطار المصالح المتبادلة، معتبرا أن دخول تركيا على خط الأزمة يشكل “ضمانة لاستقرار السودان في ظل ما وصفه بمؤامرة إقليمية تهدف إلى تقسيم البلاد.
بينما يرى المحلل السياسي، دكتور محمد عمر، أن زيارة البرهان لأنقرة تمثل تدشيناً لمرحلة (الشراكة الكاملة)، مشيرا إلى أن تركيا لم تعد تكتفي بدور الوسيط الإنساني، بل تتحرك كلاعب استراتيجي يستخدم ثقله العسكري والاقتصادي لضمان بقاء الدولة السودانية تحت قيادة الجيش، مقابل تأمين مصالحها الحيوية في عمق القارة الأفريقية وعلى ضفاف البحر الأحمر.
عبارة الشراكة الكاملة، ذكرها رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال مؤتمره الصحفي بمقر السفارة السودانية بأنقرا، وأوضح البرهان أن الفترة المقبلة ستشهد الانتقال الكامل للعلاقات الثنائية بين البلدين لتصل المدى المنظور الذي حدد لها في كل المجالات التي عناها الرئيس أردوغان في الأصعدة الاقتصادية والسياسية والتعدين والزراعة والصناعات الدفاعية

ويبدو أن تركيا بهذه الزيارة قد يممت شطر السودان بالكامل ليس من أجل علاقات دبلوماسية عابرة وإنما خطوة تعكس نقطة تحول كاملة في علاقة البلدين ومحاولة لإعادة تموضع أنقرا في المشهد السوداني.