تحديات التغير المناخي ما بعد الحرب… مقترحات وحلول
تقرير – عاكفة الشيخ:
التغير المناخي هو تحولات واختلافات طويلة المدى لظروف المناخ المتعارف عليها للمنطقة التي يحدث بها في درجات الحرارة وهطول الامطار ونمط الطقس وقد يتم لأسباب طبيعية كتغير نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية التي تؤدي لتغير درجة حرارة المنطقة ونمط الطقس المعتاد أو بسبب الأنشطة البشرية خاصة بعد الثورة الصناعية التي تعد المحرك الاساسي للتغير المناخي كحرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز والذي يؤدي لوجود طبقة من التلوث التي تؤدي لحبس حرارة الشمس عن الأرض وما يصاحب ذلك من تغيرات أخرى كالجفاف وشح المياه والفيضانات .
تأثيرات التغير المناخي:
للتغير المناخي تأثيرات في مختلف النواحي منها الاقتصادية بتأثيره على قطاعات الزراعة في إنتاجية المحاصيل وأنماط الزراعة التقليدية وارتباطه بظواهر كالجفاف والفيضانات وكذلك له تأثيرات على قطاعات الطاقة والصناعة ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والبناء والزراعة واستخدام الأراضي هي القطاعات الرئيسة المسؤولة عن انبعاثات الغازات الدفيئة؛ حيث تعمل كغطاء حول الأرض، وتحبس حرارة الشمس وترفع درجات الحرارة، وتعتبر القطاعات الأكثر تضررًا من التغير المناخي، نتيجة التنمية الاقتصادية غير المتكافئة ، وترى الهيئة أنه يجب العمل على خفض الانبعاثات التي تتم بمقدار النصف تقريبًّا بحلول عام 2030.
السودان والتغير المناخي:
تأثر السودان بظواهر التغير المناخي منذ فترة طويلة حيث عرفت ظاهرة الجفاف والتصحر الناتجة عن التغير المناخي في ثمانينات القرن الماضي ، وشهد مناخ السودان تقلبات كثيرة كان لها تأثيرها آخرها فيضانات هذا العام والتي ألحقت أضرارا جسيمة بأعداد كبيرة من المواطنين ومساكنهم في عدد من الولايات.
ويُعدّ السودان من الدول الأكثر عرضة لتغيّر المناخ في العالم ويشكّل ارتفاع درجات الحرارة، وعدم انتظام هطول الأمطار الموسمية، وفترات الجفاف الطويلة، والفيضانات المتكرّرة، تهديدات مستمرة.
وساهمت ممارسات بعض الأعمال في زيادة التغير المناخي، مثل زيادة معدّلات قطع الأخشاب والغابات والتعدين الأهلي.
تحديات البيئة والحرب:
يواجه السودان تحديات جسيمة ومعقدة في مجالات المناخ والبيئة مع ظروف الحرب الدائرة حاليا، لابد من الانتباه لها والتخطيط لمعالجتها حتى لا تؤدي لتداعيات كارثية في مجال البيئة إضافة إلى التغيرات المناخية المستمرة.
وساهمت الحرب في خسائر بيئية كبيرة أدت لتدمير النظم البيئية وتهديد استقرارها على نطاق واسع قد يؤدي لتداعيات طويلة المدى على البيئة والمواطن السوداني إن لم يتم تداركها وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع قابلية التأثر بتغير المناخ.
وشكّلت موجة النزوح الأخيرة غير المسبوقة بسبب الحرب وزيادة الكثافة السكانية في المناطق الآمنة تحديات جسيمة لعدد من الولايات وعاملا للتدهور البيئي بها حيث أُجبر أكثر من عشرة ملايين سوداني على الفرار من منازلهم ومغادرتها للولايات الآمنة, وأدى ذلك لزيادة استخدام بعض المواد كالفحم والحطب والقطع الجائر للأشجار.
الاقتصاد الأخضر:
أدت التغيرات المناخية لتفاقم المشاكل البيئية في العالم ما أدى للتفكير في إيجاد الحلول واستحدث برنامج الأمم المتحدة للبيئة تعريفاً عملياً، عرف بالاقتصاد الأخضر يهدف للحدّ على نحو ملحوظ من المخاطر البيئية.
وهو اقتصاد يعنى باستثمارات في القطاعين العام والخاص تعزز كفاءة استخدام الموارد وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث, ما ينتج عنه تحسن الأوضاع الاقتصادية مع الحد من المخاطر البيئية ويعد سبيلا لتنظيم المجتمع في بيئة نظيفة ترفع مستوى الاقتصاد وتحافظ على التوازن البيئي وتدفعه نحو حياة أفضل، وتحافظ على موازنة البيئة مع جميع أشكال التنوع البيئي.
وتم في العام 1992 م اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كمعاهدة متعددة الأطراف وقعت عليها 198 دولة كطرف في أطراف الاتفاقية وبدورها أنشأت الاتفاقية معاهدة بيئية دولية لمكافحة التدخل البشري الخطير في النظام المناخي ، ويتم ذلك جزئيًا عن طريق تثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي, ووقعت على المعاهدة 154 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (يو إن سي إي دي)، المعروف بشكل غير رسمي باسم قمة الأرض، الذي عقد في (ريو دي جانيرو) بالبرازيل في الفترة ما بين 3-14 يونيو 1992
ودعت المعاهدة إلى استمرار البحث العلمي، والاجتماعات المنتظمة، والمفاوضات واتفاقات السياسة المستقبلية المصممة للسماح للأنظمة البيئية بالتكيف بشكل طبيعي مع تغير المناخ، لضمان عدم تعرض إنتاج الغذاء للتهديد ولتمكين التنمية الاقتصادية من المضي قدمًا بطريقة مستدامة
ووفقا للتغيرات المناخية وتأثيراتها تم في العام 2010 م تم إنشاء صندوق المناخ الأخضر وفق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي بهدف تشغيل آلية مالية لمساعدة البلدان النامية في ممارسات التكيف وتخفيف آثار تغير المناخ ويدعم الصندوق المشاريع والبرامج والسياسات والأنشطة الأخرى المتعلقة بالاقتصاد الأخضر في البلدان النامية.
مقترحات وحلول:
يرى العديد من المهتمين بالمجالات البيئية أنه ينبغي على المجتمع الدولي المساهمة في تقليل هذه الآثار وأنه من الضروري بذل جهود عالمية إقليمية في هذا الصدد لأنه ليس بمقدور أي دولة وحدها التغلب على مثل هذه التحديات وبالضرورة في هذه الحالة مساهمة الصناديق الدولية والإقليمية للصمود في وجه تغيّر المناخ والتكيّف معه والتخفيف من آثاره مع معالجة آثار الحرب ومخلفاتها باعتبارها مشكلة مزدوجة لمواجهة التحديات البيئية ، كما أن هناك حاجة للموارد لإصلاح البنية التحتية وزيادة قدرات أنظمة الرعاية الصحية والغذاء والمياه والطاقة والمساعدة على تحمّل الظواهر المناخية.
والسودان له مشاركات على مستوى رئيس مجلس السيادة في مؤتمرات قمم المناخ المسماة بـ (كوب) كما حدث وشارك الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في كوب 27 بشرم الشيخ.
وتستضيف باكو عاصمة أذربيجان مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2024 م (كوب 29) في الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر 2024 تحت شعار (التغير المناخي وخفض الانبعاثات).
ويعد الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر للأزمات المرتبطة بالمناخ وتطويره أمرا هاما في تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات بجانب رفع الوعي لدى المواطنين وتشمل الخطط برامج إعادة التشجير، وجهود الحفاظ على التربة والمياه، وممارسات الزراعة والرعي المستدامة.
كما تشمل الحلول التأقلم في عدد من الجوانب كما في قطاع الطاقة بتعزيز أنظمة النقل والتوزيع فوق الأرض، وتركيب الأسلاك تحت الأرض للمنشآت، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على مصدر واحد للطاقة, وفي قطاع الصناعة يجب مراعاة تدوير المواد وتوفير البدائل.
وفي إطار التخطيط للحلول وكخطوة استباقية نظم المجلس الاعلى للبيئة والموارد الطبيعية مؤخرا ببورتسودان الورشة الخاصة باستعداد صندوق المناخ الأخضر من أجل مشروع تسريع تمويل تنفيذ الاوليات منخفضة الكربون والقدرة على الصمود لتغيير المناخ لقطاع الزراعة والطاقة ولعل ذلك يكون خطوة لها ما بعدها بشأن معالجات التغير المناخي ما بعد الحرب, كما تم اعتماد التقرير الختامي للجنة صياغة الورقة العلمية المنبثقة من اللجنة العليا لإعداد الرؤية الاقتصادية لفترة ما بعد الحرب, وتم الاتفاق على أهمية تقييم آثار الحرب على صحة البيئة وتهيئتها لعودة المواطنين للمناطق المتضررة من الحرب توطئة لوضع وثيقة وطنية يمكن اعتمادها في محاور التمويل الدولية والإقليمية المختلفة .