الموسم الزراعي شرق الجزيرة… (البوده) تحبط المزارعين
- بدأ ناجحا بكل مقابيس..
- المزارع أحمد الطيب :هذه النبته ذات اللون البنفسج هي الكابوس الذي لا يتمنى المزارع أن يراه
- شادية شمشوم: وصل المحصول لمرحلة (الحملى والشرايه ) فداهمته (البوده)
تحقيق – سهير محمد عبدالله:
(البوده خرابة المسور) .. هكذا اختتم المزارعون بشرق الجزيرة جنوب الخرطوم الموسم الزراعي لهذا العام بهذه العباره فعليا ، وأسدل الستار على آمال عراض ظلوا يمنون أنفسهم بها طوال الموسم الذي جاء مبشرا رغم التحديات الكبيرة والمهددات التي صاحبته مماجعلهم ينشدون وفرة الإنتاج والإنتاجية.
مداهمته البوده:
مساحات مهولة تقدر بمئات الفدانات زرعت في هذا العام وبدأ الموسم ناجحا بكل مقابيس فصل الخريف لما توفر فيه من معدلات عالية من الأمطار التي منحت المزارعين الثقة التامه لفلاحة أراضيهم ،رغم أعراضهم في بادىء الأمر تخوفا من أن تطالها يد الحرب فتحدث فيها خسائر لا تعوض ،إلا أن تلك المخاوف لم تثنيهم عن مواصلة الكد والعمل، وسار الموسم مطمئنا حتى وصل المحصول لمرحلة ( الحملى والشرايه ) فداهمته البوده ولعل أعقد ما يمكن أن يخشاه المزارع ظهور البوده التي تتخلل المحصول تتطفله لتعيش عليه فتعمل على توقف نمؤه في بداية مراحله ومن ثم إتلافه, ولم تقتصر المهددات على وجود البوده فقط بل تخطتها إلى فقدان الأمن في بعض المناطق بشرق الجزيرة بعد تحول الصراع المسلح إليها مما عجل بإنتهاء موسم الحصاد قبل أوانه تحوطا لما يمكن أن يحدث للمحصول من أضرار أو سرقه ، قياسا على ما جاء على لسان شادية أحمد شمشوم التي شهدت سنوات خبرتها ما يقارب الثمانية عشرة عاما قضتها في زراعة أرضها سنويا هي وأبنائها وقد أعربت عن إستيائها عن ما يتناقله المواطنون من قصص التجاوزات والتفلتات التي حدثت في مناطق عديدة بالجزيرة بسبب الحرب جعلتهم يضعون زمنا غير الذي إعتادوا عليه في المواسم السابقه تحسبا لأي طارىء وأضافت قائله : كنا نبقى في الوادي الذي نزرع فيه حتى تكتمل مراحل الحصاد مجتمعه ويحدث ذلك في الخامس عشر من نوفمبر من كل عام إلا أن مخاوفنا تضاعفت وخشينا أن يذهب تعبنا سدى فنخرج من الموسم بوفاض خالي لذلك شرعنا في (قطع العيش)أي محصول الذرة قبل أن ينتصف أكتوبر الحالي وبدأنا بجمع ( القنقر) السنابل وحصرناه في كومة واحدة كبيره ليسهل نقله وترحيله على عربة الكارو كي يتم جمعه مرة أخرى في المنازل على غير العادة ووضعه في مكان نضيف وتسطيحه حتى يتم تجفيفه بالكامل تمهيدا لبد عملية( دق العيش) وهي المرحلة الاخيرة بعدها تتم تعبئته في الجوالات، وبالاشارة إلى (دق العيش) فهو طريقة بدائية وقديمه نادرا ما نلجا إليها تكون بواسطة المدقاق اليدوي ويتطلب في هذه المرحلة العمل الجماعي (النفير) لأنه لا يكتمل إلا بمشاركة كل أفراد العائلة وحتى الأصدقاء و لا يخلو من مشقة كبيرة ، ولا أذكر أن حدث أمرا كهذا قريبا في تاريخ الزراعة ،خاصة مع توفر الوابورات والحاصدات التي تقوم بكافة العمليات الزراعيه بكل سهولة وسرعة ويسر والتي لم يلجأ إليها في هذه الأيام إلا القليلين ،كنا نقوم بكل تلك المراحل في ذات الوادي الذي تتم فيه زراعة المحصول منذ بداية الموسم وحتى نهايته.
أسراب الطيور:
كما اشتكى عدد من المزارعين أيضا من وجود أسراب الطيور في نواحي أخرى بجانب البوده من بينهم عبدالعزيز بابكر, والذي بدأ عليه الإحباط عندما سالناه عن الموسم فاجابنا قائلا: كان الموسم ناجحا رغم المهددات التي نشكو من حدوثها إلا أن احساسنا بعدم الأمان في هذا الموسم بسبب الحرب أفقدنا متعة مزاولة هذا النشاط الذي ننتظره بفرح كبير لما يعود به علينا من خير وفير يكفينا حتى العام القادم, مضيفا أن البعض ممن زرعوا مساحات أكبر ربما ينعمون بإنتاج أكثر من غيرهم رغما عن ما فعلته البوده بمحصولهم فهي لا تقوم بالإتلاف الكامل لأنهم كانوا يقومون بإزالتها تماما في كل مرة تظهر فيها مما ساعد على نمو محصولهم حتى أتى أكله دون خسائر تذكر، أما أصحاب المساحات المحدودة (الجدعه الواحده) ربما يقل إنتاجهم بسبب البوده لذا يعول بعضهم على القصب أو سيقان الذرة التي تستعمل كعلف جاف للحيوانات ليقوم ببيعه لاحقا و قد لا يعود عليهم هذا الموسم بجزء يسير مقارنة بما انفقوه عليها.
ذلك الكابوس:
ويرى أحمد الطيب علي محمد أن النبته ذات اللون البنفسج الزاهي ماهي إلا ذلك الكابوس الذي لا يتمنى المزارع أن يراه لما تحمله تلك النبته من أضرار بالغة في الزرع فهي تصنف على أنها الأشد فتكا بالمحصول لأنها على حد قوله (تشرب ندى العيش) وتتغذى عليه ففي هذا الموسم (جهجهت) المحصول والمزارع على حد سواء لذا لم يحظى المزارعون بغزارة الإنتاج كما السابق على الرغم مما تختص به تلك المساحات من وفرة في أمطارها وخصوبة أراضيها والتي تقدر ب( 5) فدانات من مساحة الأرض وتعرف (بالجدعه) وهي أقل المساحات التي تزرع وكانت في السابق أيضا تجود بإنتاج عالي وذلك حسب الموسم ،لكن إذا ماقارناها الآن بالذين زرعوا ما يقارب الأربع (جدعات) وهي مساحة كبيرة فتجدهم يقفون في ذات المرتبة الإنتاجية حيث إنحصر الإنتاج فيهما ما بين 4-3 جوالات بسبب البوده، وفي وديان أخرى قد يصل الإنتاج فيها إلى 7جوالات وهو أيضا يعد إنتاجا ضعيفا إذا قارناه بالمواسم السابقة التي قد يصل فيها الإنتاج إلى ما يقارب العشرين جوالا أو يزيد إلا أن تكالب الظروف من وجود للآفات وغيرها من الصعاب التي صاحبت هذا الموسم وعدم الإحساس بالأمان بعد انتقال الحرب للجزيرة كانت سببا مباشرا للإسراع في لم (العيش ) قناديل الذرة قبل أن تكمل مراحل حصادها الأخيرة ونضجها وختم حديثه لكنا( راضين بقسمة رب العالمين وحامدين على كل النعم)
مواسم سلام:
ظلال سالبة وتحديات مضنيه اسقطها استمرار مدى الحرب وتداعياته على كافة أسباب الحياة وسبلها، إلا أن الأمل ظل معلقا في أعين الكثيرين بالفرج من بعد هذا الضيق جعلهم يتطلعون إلى مواسم سلام قادمة علها تأتيهم بالوفرة ورغد العيش.