تحركات إقليمية ودولية لاحتواء حرب السودان وإحياء فرص التفاوض

أدى التصعيد الأخير في وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” داخل العاصمة الخرطوم الذي بدأ مع الهجوم البري الواسع الذي شنه الجيش قبل ستة أيام وعبوره جسور العاصمة الثلاثة نحو قلب العاصمة الخرطوم، إلى زيادة حدة التهديدات والتلويح بالحسم العسكري كخيار وحيد للطرفين، فكيف يؤثر ذلك في فرص الحل السلمي والتحركات الإقليمية والدولية التي تنشط هذه الأيام لاحتواء تفاقم الصراع وحض الطرفين على العودة للتفاوض من جديد؟

تعليق التفاوض

رداً على هجوم الجيش المتعدد المحاور في الخرطوم، أعلنت قوات “الدعم السريع” أن قائدها قرر إغلاق باب التفاوض مع الجيش.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم وفد تفاوض لقوات “الدعم السريع”، محمد مختار، أنهم يتوجهون الآن بكلياتهم “نحو خيار الحسم العسكري حتى القضاء على الجيش والمتعاونين معه، ولا تفاوض بعد الآن وسيكون الميدان هو الفيصل”.

من جانبه أعلن والي الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة، أن القيادة العليا في البلاد قررت الدخول في مرحلة الحسم النهائي للحرب.

أضاف خلال لقاء جماهيري لحكومة الولاية “ستتواصل المسيرة ولن نستجيب لأصوات المخذلين، ومهما حدث من عثرات فإن النصر سيكون حليفنا في نهاية المطاف”.

ميدانياً تواصلت المعارك والاشتباكات بين الجانبين لليوم السادس على التوالي في وسط وجنوب الخرطوم وشمال مدينة الخرطوم بحري، فيما لا يزال محور الفاشر بشمال دارفور مشتعلاً.

وقالت مصادر محلية إن الجيش والقوة المشتركة والمقاومة الشعيبة تصدت مساء أمس الإثنين لمحاولة جديدة من قوات “الدعم السريع” للدخول إلى مدينة الفاشر من الجهة الجنوبية الشرقية وكبدتها خسائر في الأرواح والعتاد.

ووفق شهود عيان بالعاصمة السودانية، فقد سمعت أصوات انفجارات عنيفة في مناطق عدة بالعاصمة السودانية، وتصاعدت أعمدة الدخان من أنحاء مختلفة في محيط منطقة المقرن وشارع الغابة وسلاح الاستراتيجية والسوق العربي وسط الخرطوم وكذلك شمال الخرطوم بحري.

وتابع الطيران الحربي غاراته المكثفة على تجمعات وارتكازات قوات “الدعم السريع”، شرق وجنوب الخرطوم، وتمكن مع الطائرات المسيرة وفق مصادر ميدانية، من تدمير منصات مدفعية وآليات مدرعة لـ”الدعم السريع” في محيط سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم.

بؤر الإرهاب

سياسياً أعرب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، عبدالله حمدوك، عن مخاوفه من أن يؤدي العنف المتفاقم في السودان إلى ربط الجماعات المتحالفة مع تنظيم “القاعدة” في الساحل بالمتطرفين في القرن الأفريقي.

وأبدى حمدوك، في حديث لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن بالغ قلقه ومخاوفه من أن يصبح السودان أرضاً خصبة للإرهاب في منطقة شديدة الهشاشة لا سيما مع امتداد حدوده المشتركة مع سبع دول أفريقية.

وشدد رئيس (تقدم) على أن الصيغة الوحيدة التي من شأنها أن تبقي السودان موحداً هي حكومة يقودها مدنيون، بعد أن أفسد العسكريون البلاد لأكثر من 50 عاماً.

هدنة الاختبارات

إلى ذلك طالبت لجنة المعلمين السودانيين بإعلان وقف إطلاق النار والعمليات العدائية في فترة تجهيز وعقد الاختبارات من قبل طرفي الحرب، والالتزام التام بذلك وفتح الممرات الآمنة للطلاب حتى تتم الاختبارات بصورة منطقية وعادلة.

ونادى بيان للجنة “بإعلان مراكز تجميع وتصحيح الاختبار ومراكز سكن المعلمين والمعلمات مناطق آمنة طوال فترة التصحيح والكونترول، حتى يتمكن المعلمون من أداء الاختبارات في جو من الطمأنينة”.

وكانت وزارة التربية والتعليم التي حددت السبت الـ28 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل موعداً لانطلاق اختبارات لدفعة عام 2023، يعقبها بعد ثلاثة أشهر عقد اختبارات دفعة عام 2024.

تجدد المساعي

على صعيد الجهود الدبلوماسية الدولية لإنهاء الحرب في السودان، استهل المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، أول من أمس جولة جديدة يزور خلالها العاصمتين الكينية نيروبي والإثيوبية أديس أبابا.

وقال بيان لوزارة الخارجية الأميركية إن المبعوث سيواصل جهود الدفع نحو عملية شاملة لانتقال السودان إلى الحكم المدني، وسيجري مشاورات دبلوماسية للضغط على الجيش وقوات “الدعم السريع” للموافقة على الاتفاقات الإنسانية التي تؤدي إلى وقف شامل للأعمال القتالية وتوسيع وصول المساعدات.

سيلتقي بيرييلو وفق البيان، مسؤولين في الاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد)، ومنظمات غير حكومية دولية عاملة في المجال الإنساني وحماية المدنيين، إلى جانب قيادات المجتمع المدني السوداني.

تحركات أميركية

وأكد البيان الأميركي دعم واشنطن الشعب السوداني وتطلعاته نحو السلام والحرية والعدالة، مطالباً الطرفين المتحاربين بوقف العنف وإزالة جميع الحواجز التي تحول دون تلبية الحاجات الإنسانية واحترام قوانين الحرب المتعلقة بحماية المدنيين.

وعلى خلفية لقاء المبعوث الأميركي بالفريق البرهان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة في مدينة نيويورك، توقعت مصادر دبلوماسية أن يفتح اللقاء الباب أمام إتمام زيارة مرتقبة لتوم بيرييلو ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية سامانثا باور إلى مدينة بورتسودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

وأكد بيرييلو، في تصريحات صحافية ضرورة جلوس القادة العسكريين إلى طاولة المفاوضات لإيجاد السبيل للمضي قدماً نحو حكومة مدنية شاملة في السودان، مشدداً على الحاجة الماسة إلى وقف إطلاق النار أو في الأقل إلى وقفات إنسانية خلال الأسابيع القليلة المقبلة في جميع أنحاء الفاشر وسنار وجنوب الخرطوم.

واعتبر المبعوث أن محاولات قوات “الدعم السريع” توسيع رقعة سيطرتها ومواصلة عمليات القصف تقوض الثقة في عملية السلام، فضلاً عما يترتب عليها من كلفة هائلة وسط السكان المدنيين، مشيراً إلى وجود متشددين يعتقدون أن باستطاعتهم الاستفادة من استمرار الحرب سياسياً أو مالياً، ويعتقدون أنهم إذا استطاعوا الدخول في حكومة قبل انتهاء الحرب فسيكون هذا طريقهم للعودة إلى السلطة.

تنشيط المساعي

في السياق، لم يستبعد المتخصص في مجال العلوم السياسية، عبدالله أحمد مصطفى، أن يشكل التصعيد والمواجهات الأخيرة حافزاً لتنشيط المساعي الدولية والإقليمية بالنظر إلى المخاوف الإقليمية والدولية من دخول مسار الحرب في السودان إلى فصل دموي أشد شراسة، في ظل التهديدات المتواترة من الطرفين بالانخراط في عمليات حربية أكثر عنفاً بتأكيد كل منهما عزمه على هزيمة الآخر وحسمه عسكرياً، مما ينذر بتدهور وانهيار أكبر في الوضع الإنساني بالنسبة إلى المدنيين.

ولفت مصطفى إلى أن ما جاء بخطاب الفريق البرهان في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك، المتزامن مع الهجوم البري للجيش بالخرطوم، يشير إلى سعي حثيث من جانب الجيش لتحسين وضعه الميداني وشروطه التفاوضية في أسرع وقت ممكن من خلال هذه العملية الكبيرة، وذلك حتى يتمكن من الوفاء بالشروط والتعهدات التي قطعها البرهان في خطابه أمام زعماء العالم في شأن إمكانية الحل السلمي من وجهة نظر الجيش.

وأشار الأكاديمي إلى أن ضعف قدرة القوى السياسية على التأثير في مجريات الحرب يتطلب تفعيلاً عاجلاً لدورها في البحث عن الحل السلمي، الذي ظل تائهاً وسط تصعيد صخب الحرب وأصوات المدافع والقصف.

حرب سياسية

أضاف “هذه الحرب سياسية بالدرجة الأولى، لذا يقع على عاتق جميع السودانيين مسؤولية المساهمة في وقفها، لا سيما الأحزاب السياسية والقوى المدنية والحركات المسلحة والشخصيات الوطنية، وتأسيس نظام حكم ديمقراطي ودولة المواطنة والحقوق والواجبات والتداول السلمي للسلطة”.

ويؤكد مصطفى أن تحدي الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب المستعرة منذ أكثر من عام ونصف العام عبر التفاوض لا يزال ممكناً بإدارة حوار وطني شامل يبحث أسباب وجذور الأزمة الوطنية والتوافق على مجموعة مبادئ وطنية تكون هي المرجعية التي تمهد الطريق إلى دستور دائم للبلاد ظل مفقوداً منذ الاستقلال. وشدد قائلاً “لم يعد أمام القوى السياسية والمدنية في هذا الوقت الفارق من تاريخ السودان سوى التوافق على إنقاذ بلادهم من التفكك والانهيار”.

زيارة مجلس السلم

إلى ذلك يزور مدينة بورتسودان بعد غد الخميس الثالث من أكتوبر الجاري أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي، في زيارة ليوم واحد، الذي ستنتقل رئاسته إلى جمهورية مصر العربية خلال الشهر نفسه.

ومن المنتظر أن يلتقي أعضاء المجلس بكبار المسؤولين في الدولة على رأسهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في لقاء يتوقع أن يناقش قضية الحرب وعضوية السودان في الاتحاد الأفريقي التي تم تعليقها عقب انقلاب الـ25 من أكتوبر 2021، بخاصة أن الوفد يضم مسؤولين من مفوضية الاتحاد الأفريقي.