الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز في حوار الأرقام(2-2)

  • استقرار قيمة العملة الوطنية يعتمد لحد كبير على استقرار الأوضاع الأمنية
  • يجب أن تتجه للشراكات الاستراتيجية التي لا تفرض شروطاً سياسية
  • الدور المصري في إعادة الإعمار يمكن أن يكون فعالاً ومؤثراً أكثر من غيره
  • الفرصة متاحة لتأسيس التعاون الاستراتيجي بينننا وهذه الدول التي يمكن أن تسهم في إعادة الإعمار

*تذبذب أسعار العملات الأجنبية وانتعاش الجنيه عند تقدم الجيش، برأيك إلى أي مدى تكون الأسعار حقيقية؟


-من الملاحظات المهمة أن قيمة الجنيه السوداني ترتفع حينما يحقق الجيش السوداني الانتصارات والتقدم في العديد من المحاور, هذا يعكس مدى اطمئنان المواطن لقدرات الجيش الوطني، واعتماده عليه في تحقيق الأمن والاستقرار المؤدي لاستعادة العمل والإنتاج
إن استقرار قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية سوف يعتمد لحد كبير على استقرار الأوضاع الأمنية بعد دحر المليشيا المتمردة
*إعمار السودان كيف يتم وما هي الأولويات وهل بمقدور السودان وحده إعادة الإاعمار أم يتطلب الأمر جهود دولية ومنظمات أممية؟
-اقتصاد ما بعد الحرب لابد أن يكون مختلفاً جذرياً عن ما قبلها، ذلك لأن الحرب خلفت دمارا هائلا يستدعي إعادة البناء والإعمار من جديد
السياسات الاقتصادية والمالية ينبغي أن تتحول لمصلحة اقتصاد يكون للدولة فيه الدور الرائد والأكبر، لا نطلب هنا عودة الدولة للسيطرة على وسائل الإنتاج وفق الفكر الاشتراكي، ولا لسياسات التأميم والمصادرة التي طبقت اوائل سبعينيات القرن الماضي عندنا فأدت لكارثة اقتصادية.
ندعو لنموذج أقرب لما تطبقه الصين حالياً، قطاع خاص حر تتاح له الفرص داخليا وخارجياً، مع وجود مؤسسات دولة اقتصادية قوية توجه الاقتصاد نحو الأهداف الوطنية.
ونضرب مثالاً على ذلك: صادرات الثروة الحيوانية، يمكن للسودان أن يحقق عائدات مهمة من هذا القطاع إذا ما تم تكوين شركة مساهمة عامة لصادرات الثروة الحيوانية: مواشي حية ولحوم وجلود ومنتجات أخرى، تساهم الدولة في البداية بنسبة كبيرة في رأسمالها 70% مثلا تتناقص تدريجيا لمصلحة القطاع الخاص الوطني.
مثل هذه الشركة يكون لها القدرة على توفير العناية البيطرية والخدمات الأخرى للقطاع، وتنظيم الأسواق المحلية، وفتح الأسواق الخارجية واستدامتها، واستعادة عائدات الصادر للاقتصاد الوطني
على أن تكون إدارة مثل هذه الشركة إدارة احترافية على مستوى دولي، تتبع معايير الحوكمة العالمية، حتى لا تتكرر تجربة شركة الشاي وشركة الصمغ العربي وغيرها من الشركات الحكومية التي فشلت في تحقيق أهدافها.
وعلى هذا المثال نكوّن شركة للصادرات الزراعية وأخرى للصادرات البستانية، وشركة قوية لصادرات الثروة المعدنية، بالتركيز على الذهب ، ليس على غرار النموذج الحالي حيث مهمة الشركة إشرافية، لكن شركة مسيطرة على القطاع تماماً مع منح المعدنين من الأهالي حقوقهم كاملة حسب السعر العالمي.
*ماذا تقصد تحديدا ؟
-في مرحلة ما بعد الحرب نحتاج لاستثمارات خارجية كبيرة، استثمارات شركات دول مثل سي إن بي سي الصينية، أو الشركة الهندية أو شركات الجيش المصري في مجال الإنشاءات والطرق والكباري حيث لا تتخوف مثل هذه الشركات من العمل في بيئات غير آمنة لأنها شركات تعمل لتحقيق أهداف استراتيجية، ولنا تجربة مع شركة سي إن بي سي الصينية التي عملت في مجال البترول السوداني في مناطق كانت الحرب مشتعلة فيها ما بين الجيش السوداني وجيش الحركة الشعبية فلم تتخوف من العمل في بيئة هشة أمنياً
نحتاج أيضاً في هذه المرحلة لكوادر مؤهلة تأهيلا عاليا في الوزارات الاقتصادية خصوصاً وزارة المالية ووزارة الصناعة ووزارة التجارة ووزارة الاستثمار، لأن تطبيق قوانين مهمة مثل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وقانون الاستثمار، وقانون التعاون يحتاج لكوادر مؤهلة ذات كفاءة عالية.
*أي من الدول يمكن أن يكون أكثر إسهاماً في إعادة إعمار السودان؟ وتوقعاتك للدور المصري؟
-يواجه السودان الآن في ظل الحرب أوضاعا اقتصادية حرجة للغاية حيث يتوقع تراجع النمو الاقتصادي بنسب كبيرة مع دمار شبه كامل للقطاع الصناعي، ودمار مؤثر في قطاع الخدمات والقطاع الزراعي.
حدث تراجع كبير في تحصيل الإيرادات العامة، وتراجع مماثل في الصادرات السودانية، مع الصعوبة في تحصيل عائدات الصادر، وتراجع تحويلات المهاجرين. أدى هذا للانخفاض المستمر والمتوالي في قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية الحرة وعلى رأسها الدولار
إيقاف التدهور واستعادة النمو يحتاج لموارد اقتصادية ضخمة تضخ في الاقتصاد, ومساعدة الدول الفقيرة في تحقيق النمو الاقتصادي ومحاربة الجوع والفقر هي أهداف المؤسسات المالية الدولية مثل مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي, بتمويل من هذه المؤسسات ومن الدول المانحة., لكن الموقف الموحد لهذه المؤسسات والدول المانحة الغربية (انها لن تتعاون وتقدم تمويلاتها إلا لحكومة مدنية في السودان), هذا موقف سياسي واضح لا يقبل التأويل والتفسير.
على الدولة في السودان أن تتجه للشراكات الاستراتيجية التي لا تفرض شروطاً سياسية،
بحسب إحصاء (حقائق العالم 2024) الذي تصدره وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA فإن اقتصاد العالم تتصدره الصين بناتج محلي اجمالي يبلغ 25.7 ترليون دولار، تليها الولايات المتحدة بناتج 21 ترليون دولار، وتأتي الهند ثالثة بناتج 10 ترليون دولار، واليابان رابعة بناتج 5 ترليون دولار، وألمانيا خامسة بناتج 4.5 ترليون دولار، وروسيا في المرتبة السادسة عالميا بناتج محلي اجمالي مقداره 4 ترليون دولار.
الصين والهند سبق لهما الاستثمار في قطاع البترول السوداني بحجم كبير، ولم يفرضا شروطاً سياسية, روسيا تم تبادل الزيارات بينها والسودان وتم ترفيع التعاون بين البلدين في العام 2017 الى المستوى الرئاسي حيث كان يمثل السودان نائب رئيس الجمهورية ويمثل روسيا رئيس الوزراء الروسي.
إن الفرصة متاحة لإعادة تأسيس التعاون الاستراتيجي بين السودان وكلا من الصين، روسيا، الهند، ايران، السعودية، قطر، مصر وهي دول يمكن أن تساهم اسهاما حقيقياً في إعادة إعمار السودان.
الدور المصري في إعادة إعمار السودان يمكن أن يكون فعالاً ومؤثراً أكثر من غيره بسبب القرب الجغرافي وسهولة التواصل عبر الموانئ البرية والنهرية والبحرية، فضلاً عن وجود فرصة هائلة للتكامل الاقتصادي بين القطرين بسبب احتياج مصر للعديد من المنتجات الزراعية والغذائية التي يمكن توفيرها من السودان لتمتعه بموارد اقتصادية هامة في الأراضي الزراعية الشاسعة والمياه الجوفية والسطحية الهائلة. كما تتاح في مصر فرصة تدريب الكوادر السودانية بتكلفة قليلة.