حوار مع الروائية بثينة خضر مكي (٢ – ٢)

في دائرة الضوء

____________________________________

(الأكف منزوعة اللحم، الغامقة السمرة، تمثل تضادا صارخا مع مظهر الآلات الموسيقية، الجميلة الفخمة، لكن اللحن يخرج عذبا رائقا ثم يشتد صاهلا متولها مثل ترنيمة جنية الصحراء، حين تنادي على معشوقها الإنسي.

تشتد حرارة المكان الموشى بألوان النيون ولمبات الزينة المتراقصة. يندفع الجميع نحو حلبة الرقص كهولا وشبابا وصبايا في عمر الزهور، جردتهم الغربة القاسية من حميمية عواطفهم.

وقفت تتجشأ عرق المباني الزجاجية اللامعة، وتتذكر الدروب التي لا تستطيع المشي فيها مع غيره، ذكرى لحظات حضوره طاغية لا تترفق) .

(حجول من شوك)

_________________________

  • دراستي للأدب الإنجليزي أثرت كثيراً في مرحلة الكتابة
  • كان دائماً يستهويني موضوع المرأة المهاجرة في كتاباتي
  • مكتبة إدوارد سمعان بشندي شهدت شغفي بالقراءة ومنها قبس في روايتي بوابة الرحيل

_________________________

 

حوار/فائزة إدريس 

_________________________

بثينة خضر مكي روائية وكاتبة سودانية، مؤسس رابطة الأديبات السودانيات ومؤسس مركز بثينة خضر مكي للإبداع والتنوير والفنون وعضو مؤسس في الإتحاد القومي للأدباء والكتاب السودانيين وعضو في عدد من الإتحادات والكيانات الأدبية داخل وخارج السودان ، لها العديد من الروايات والكتب المنشورة : رواية أغنية النار، صهيل النهر، حجول من شوك، إضافة لمجموعاتها القصصية النخلة والمغني، أشباح المدن، أطياف الحزن، رائحة الخريف، بالإضافة للترجمة والكتابة للأطفال.

نالت الوسام الذهبي للعلم والفنون والآداب عام ٢٠٠٣، كما كرمت من سفارة جمهورية السودان في المملكة العربية السعودية عام ٢٠١٨، حاصلة على بكالوريوس الآداب في آداب اللغة الإنجليزية عام ١٩٧٨ من جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، حاصلة على دبلوم فوق الجامعي في الفلكولور من جامعة الخرطوم، حاصلة على دبلوم فوق الجامعي في تدريس اللغة الانجليزية للناطقين بغيرها.

إلتقت بها أصداء سودانية فرسمت لنا لوحة تشكيلية معبرة مابين شندي الخضراء الشامخة وردهات مكتباتها العتيقة وسحر الخرطوم وروعة الشارقة وجمال كيلوباترا، فكان هذا الحوار المضمخ بأريج رائحة الخريف.

** (من يقرأ جيداً يكتب جيداً)، مارأيك بهذه المقولة؟

_________________________

هذه مقولة صادقة فالقراءة هي المعول الذي يحفر جيداً في كتابات الكاتب وهي الأثر الذي يكون واضحاً في اللغة وفي طريقة إستخدام المفردات، فكلما إتسع معون الكاتب أو المؤلف من المفردات ومن اللغة يسهل له أن يوصل مايرغب في إيصاله للمتلقي، القراءة لاتكون فقط في الأشياء الأدبية فمثلاً إذا كنت أنا أكتب قصة أو رواية لابد أن أقرأ شيئاً من الفلسفة ومن دراسات الأديان ولابد أن تكون هنالك قراءات مختلفة جداً لتكون مجموعة المعلومات ومجموعة الرؤى للكاتب. أذكر أنني عندما كنت في الشارقة كنت أحدد مثلاً هذا الإسبوع للأدب اللاتيني استعير من عدد كبير من الصديقات ومن مكتبات الشارقة الضخمة دراسات، وروايات ومجموعة قصص وأشعار وأعكف على قراءتها طيلة الأسبوع فهكذا كنت أحاول أن أبني قدرات أكثر وأصقل موهبتي وأن أفتح لنفسي أبواب أكثر إتساعاً للكتابة وأن أرسم شخصيات مختلفة وأفق أكثر إتساعاً للكتابة من النطاق المحلي الذي أعرفه تماماً، فأنا أعرف جيداً بيئة المنطقة التي عشت فيها، منطقة شندي وهي منطقة غنية بالتراث وبالتاريخ والحكي لكن كان لابد من إمتزاج ذلك بأرث ثقافي آخر مغاير وبأشياء

مختلفة فكان لابد لي أن أقرأ في أدب الأديان وفي التصوف وفي علم النفس وعلم الإجتماع. لخلط هذه الأشياء لتظهر في الكتابات وأعتقد أن لها تأثير قوي. ودراستي للأدب الإنجليزي أثرت كثيراً في مرحلة الكتابة، مثلاً عندما كنت أقرأ بشغف وبنهم في المراحل الأولى و في مرحلة الشباب وعندما كنت أستلف الكتب من المكتبات كنت أقرأ كتب مترجمة. وكنت أتمنى أن أقرأ هذه الكتب في لغتها الأصلية لذلك عندما أتيحت لي فرصة الدراسة الجامعية إخترت الأدب الإنجليزي وكانت لي فرصة أن أقرأ شكسبير بلغته الأصلية وأقرأ دي إتش لورنس، أقرأ لكل الكتاب الكبار، فكانت منتهى المتعة أن أقرأ هذه الكتب أو هذه الشخصيات من موقعها الأصلي وأعتقد أن هذا كان له تأثير كبير في كتاباتي.

**ماهي أبرز المواضيع التي تطرقتي إليها في رواياتك وكانت محور تركيزك؟

________________________

أبرز ماهو واضح في كتاباتي في الرواية وفي القصة وفي النصوص الأدبية أعتقد أن هذا الأمر يترك للنقاد. ولكن أقول عن نفسي كان دائماً يستهويني ويشغل بالي كثيراً موضوع المرأة المهاجرة، وأنا خرجت من السودان في هجرة وإغتراب لفترة تجاوزت العشرين عاماً، عشت هموم الإغتراب ورأيت وسمعت من أخريات خلال معيشتي في مصر والسعودية والإمارات، فقد عشت أحداث كثيرة ربما أوحت لي بالكثير ليُكتب لذلك كان مشروعي الذي أعمل عليه هو مشروع المرأة المهاجرة، بكل همومها وآمال ها وطموحاتها وبكل الإحباطات التي حصلت لها في غربتها وبكل إنتصار اتها التي حققتها في غربتها لذلك كان موضوعي هو المرأة المهاجرة وكذلك أنا مهتمة بالتراث الشعبي بما أنني عشت في منطقة غنية بالتراث الشعبي والتقتطه من فم العمات والخالات في منطقة شندي من خلال الأحاجي، من خلال المدائح ومن خلال الأمثال الشعبية لكن أيضاً أنا درست التراث أكاديمياً فقد سجلت لدراسة الماجستير في مركز الدراسات الأفريقية الآسيوية في جامعة الخرطوم ورغم أنني لم أكمل للآخر لظروف الهجره لكن إستفدت كثيراً ومن حسن، حظي كان على رأس دراستي أساتذة لهم باع طويل ومتمرسين في الفلكولور على المستوى العالمي مثل بروف سيد حامد، حريز، بروف شرف الدين، بروف عبدالله علي أبراهيم ودكتور حسن مدني وغيرهم من الأساتذة الأكفاء كما إستفدت كثيراً من مكتبة الدراسات الأفريقية الآسيوية،أتمنى أن تكون موجودة وألاتكون يد المغول التي سطت على السودان قد طالتها.

**لو لم تكوني أديبة لتمنيتي أن تكوني؟؟؟

_________________________

لو لم أكن أديبة لتمنيت أن أكون أديبة، أذكر أنني عندما كنت في المرحلة الإبتدائية في مدرسة شندي الشمالية كان هنالك سؤال يُسأل على الدوام للطالبات ماذا تتمنى أن تكوني في المستقبل؟، فمن تقول أحب أن إكون مهندسه وغيرها تقول طبيبة… وهكذا كانت إجاباتي أحب أن أكون كاتبة مثل أمينة السعيد، كنت أقرأ لأمينة السعيد في مجلة حواء وفي كثير من المجلات، وكانت توجد في مدينة شندي مكتبة لأحد الأقباط يسمى إدوارد سمعان وهو أسهم كثيراً في إثراء الثقافة في ذلك الوقت في المدينة وأذكر أنه عندما لاحظ خالي الذي كان يعمل بوزارة الخارجية إهتمامي بالقراءة عمل لي إشتراك في مكتبة إدوارد سمعان حيث يمكنني أخذ ماأحبه من الكتب وأذكر أنني خلاف مجلات سمير وميكي والصبيان التي تماثل عمري حينذاك كنت أقرأ صباح الخير وأقرأ أشياء كثيرة وهكذا ظهر تأثير هذه المكتبة وأخذت جزء منه وعبرت عنه بكثير من الأخيلة والشخصيات الخيالية في روايتي قبل الأخيرة بوابات الرحيل تحدثت عن طالب يحب المكتبة كثيراً.