“عربة الكارو” وسيلة لنقل التلاميذ وإسعاف المرضى في السودان
خسائر فادحة وأضرار جسيمة خلفتها حرب الخرطوم التي شارفت على إكمال شهرها الـ17، مما أفرز واقعاً جديداً في الولايات الآمنة عنوانه العريض المعاناة من تداعيات الصراع المسلح على حياة المواطنين، ومكابداتهم مع الأزمات الاقتصادية وشح الخدمات الضرورية.
وأجبرت أزمة الوقود الطاحنة وارتفاع أسعاره آلاف السودانيين في أقاليم عدة وبخاصة الجزيرة وكردفان ودارفور والنيل الأبيض على استخدام وسائل النقل البدائية، ومنها عربات “الكارو” التي تجرها الخيول والحمير كبديل عن المركبات لنقل الركاب والبضائع، وكذلك إسعاف المرضى إلى المستشفيات وتوصيل الطلاب إلى المدارس.
و”الكارو” عربة تقليدية مكونة من أربعة إطارات أو إطارين، تقطرها الدواب وتستخدم لنقل البضائع والمحاصيل الزراعية.
نقل بدائي
يقول جمعة الزين صاحب عربة كارو ويقيم في ولاية غرب كردفان إن “أزمة الوقود في الإقليم وارتفاع أسعاره أجبرت طلاب المدارس على استخدام وسائل النقل البدائية في التنقل اليومي من المنازل إلى مؤسسات التعليم”.
وأضاف “أتنقل بين الأزقة وأستعين بصفارة أمام بيت كل تلميذ أو طالب، ثم أقرع على الباب لكي أتأكد أنه جاهز للمدرسة، وأسعى إلى إدارة الوقت بصورة جيدة حتى لا يتأخر التلاميذ عن مواعيد الحضور، ولدي معينات مساعدة منها مشمعات واقية من المطر ومياه شرب نظيفة”.
وأوضح الزين “أحرص على جلوس كل واحد منهم بالدور في مكان محدد خلال رحلتي الذهاب والإياب، ولا أسمح لأي طفل بالركوب على العربة وحده خشية التعرض للسقوط في حال تحرك الحمار لخطوات أو الإصابة من قطع الحديد في العربة”.
وتابع المتحدث “التجربة حققت نجاحاً كبيراً، وأسهمت في حل أزمة المواصلات، خصوصاً أن هناك مدارس عدة تبعد من الأحياء السكنية لمسافات طويلة، ولا يستطع الأطفال التنقل يومياً في ظل الظروف الحالية”.
حل للأزمة
من جهته، اعتبر الطالب بالمرحلة المتوسطة ماجد محمد رضوان أنه “في ظل الظروف الحالية لا يوجد خيار سوى وسيلة النقل البدائية بعد نفاد الوقود في غالبية المدن السودانية، وتوقف المواصلات العامة”.
وأفاد بأن “عربات الكارو أسهمت في حل أزمة ترحيل التلاميذ والطلاب، على رغم معاناة التنقل اليومية وبطء الحركة وأخطار السقوط المتوقعة وكذلك عدم النظافة، مما يجعل الأطفال أكثر عرضة لالتقاط جراثيم يمكن أن تتسبب في الأمراض”.
ويتابع رضوان “في الواقع نحن مجبرون على هذه الحال للتعايش مع ظروف الحرب والتنقل بوسيلة مواصلات بدائية، حتى نفلح في إكمال العام الدراسي ونتغلب على المعاناة والمآسي”.
عودة للوراء
آدم حامد أحد الموجودين في مدينة ربك جنوب الخرطوم قال إن “قدر السودانيين العيش في ظل معاناة متواصلة من دون إيجاد حلول جذرية للأزمات المستمرة، وللأسف عدنا إلى الوراء كثيراً إذ باتت عربات الكارو وسيلة المواصلات الوحيدة في ولاية النيل الأبيض، بعد توقف المركبات وسيارات الأجرة عن العمل نتيجة أزمة الوقود الطاحنة وارتفاع الأسعار لمعدلات قياسية في السوق السوداء”.
وأشار إلى أن “العربات الخشبية التي تجرها الخيول والحمير تعمل بصورة يومية وتنقل الواحدة نحو 15 شخصاً ذهاباً وإياباً من المنازل وإلى الأسواق، فضلاً عن ترحيل البضائع والمحاصيل الزراعية، كما مثلت مصدر زرق لكثير من المواطنين في الإقليم”.
ولفت حامد إلى أن “سكان ولاية النيل الأبيض لا يترددون في استخدام وسيلة النقل البدائية هذه التي تخفف بعضاً من معاناتهم، وتسهم في حل أزمة النقل والمواصلات”.
إسعاف المرضى
وفي ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم لا توجد خدمة إسعاف وطوارئ منذ سيطرة قوات “الدعم السريع” على الإقليم خلال ديسمبر 2023، إذ نهبت آلاف السيارات وتسبب الحصار المفروض على الولاية في استهلاك جميع كميات الوقود.
ونتيجة لهذه الظروف بات سكان الإقليم يعتمدون على عربات الكارو التي تجرها الحيوانات في نقل المرضى والجرحى إلى المستشفيات، وتحولت وسيلة النقل البدائية هذه إلى “سيارات إسعاف”.
ويقول المواطن أنور عبدالجليل إنه “اضطر لنقل والدته التي تعاني الفشل الكلوي بعربة كارو من منطقة أم القرى إلى مدينة الهلالية من أجل إجراء فحوص طبية وتلقي العلاج، وهناك اعتماد كامل في القرى والمدن على العربات الخشبية في نقل المرضى والمصابين بواسطة الحمير أو الخيول”.
وأضاف أن “عربات الكارو تفتقر إلى أية معقمات يستخدمها أصحابها في التنظيف بعد عمليات النقل، إذ ينقل المرضى وجرحى الحرب الواحد تلو الآخر من دون مراعاة أي من معايير التعقيم، مما قد يخلق بيئة مناسبة لتفشي الأوبئة بين المواطنين”.
ويبدي عبدالجليل حزنه على حال ولاية الجزيرة الذي وصلت إليها بسبب تداعيات الحرب، إذا يواجه السكان أوضاعاً كارثية وبخاصة أزمات الغذاء ومياه الشرب وانعدام الرعاية الصحية”.
حالات خطرة
وعلى صعيد متصل أوضح ماهل مسعود صاحب عربة كارو أن “أزمة الوقود وتوقف حركة المركبات وسيارات الأجرة دفعته للعمل بعربة يجرها حمار في مدينة الحصاحيصا لنقل المرضى وجرحى الحرب إلى المرافق الصحية من أجل إنقاذ حياتهم”.
وأضاف “أخشى على جرحى القتال لأن الحمار يسير بسرعة متواضعة حتى وإن كان يركض طوال الطريق، وهذا يؤثر في المصابين الذين ينزفون دماً وهم على عربة الكارو، مما قد يعرض حياة من حالتهم خطرة للموت في أية لحظة، على عكس سيارات الإسعاف التي تصل بسرعة قياسية”.
وقال مسعود “في ظل استمرار الصراع المسلح حاولت استغلال الموارد المتاحة ومساعدة الجيران والأقارب والسكان في القرى النائية، من أجل تقديم خدمة الإنقاذ والإسعاف”.