الموقف الإفريقي الجديد تجاه السودان..  دواعي التحول

 

تقرير- الطيب عباس:

تسلم رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الاثنين، خطابا من رئيس منظمة ايقاد، رئيس جيبوتي، إسماعيل عمر قيلي، يتمحور حول إعادة عضوية السودان للمنظمة الافريقية بعد 9 أشهر من المقاطعة الكاملة.

بالتزامن مع ذلك أصدر مجلس السلم والأمن الإفريقي بيانا مفاجئا، دعا فيه مليشيا الدعم السريع للانسحاب من منازل المواطنين والأعيان المدنية، تنفيذا لاتفاق جدة، وأكد ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية بالسودان، ودعا المجلس في بيانه إلى إعادة فتح مكتب اتصال بالاتحاد الإفريقي بالسودان.

التحول الإفريقي الإيجابي والمفاجئ تجاه السودان، أربك حسابات الرأي العام السوداني والإقليمي وواجهته الحكومة السودانية بالصمت عن بيان مجلس السلم والإفريقي والمطالبة بالاعتذار والاعتراف بالخطأ فيما يلي منظمة الإيقاد

مواقف عدائية:

لم تبدو منظمة إيقاد بهذه الوداعة التي حملها خطاب رئيسها الذي تسلمه البرهان. الاثنين، كان موقفها مع السودان عدائي ورؤيتها للحرب منحازة بشكل كامل لمليشيا الدعم السريع، وهو ما ظهر جليا خلال دعوتها لقائد المليشيا محمد حمدان حميدتي وظهيره السياسي رئيس تنسيقية تقدم عبد الله حمدوك للمشاركة في اجتماعات ايقاد في سبتمبر من العام الماضي، ذلك الاجتماع الذي كان مخصصا لرؤساء الدول، حيث تمت دعوة الرجلين كممثلين للسودان عقب مقاطعة الحكومة السودانية الرسمية للاجتماع.

منظمة إيقاد لم تكتفي بذلك وانما تجاهلت طلب السودان بتغيير رئاسة كينيا للجنة الرباعية المعنية بحل الأزمة بالسودان، وقدمت الحكومة السودانية دفوعات منطقية بعدم أهلية كينيا لرئاسة اللجنة، لكونها منحازة بشكل صارخ للمليشيا المتمردة واستقبلت قائد التمرد بالسجادة الحمراء في إشارة لاعترافها بحميدتي كممثل للسودان، لكن الإيقاد التي كانت متورطة هي الأخرى رفضت الطلب السوداني، ما دفع الحكومة في سبتمبر من العام الماضي لتعليق عضويتها بالمنظمة قبل أن تجمد عضوية السودان بشكل كامل في يناير الماضي.

 

مواقف الاتحاد الافريقي:

الاتحاد الإفريقي هو الأخر بما يضم من مفوضيات ومنظمات لم تكن مواقفه بعيدة عن منظمة إيقاد، حيث كانت دوله تستقبل ما قيل أنه حميدتي، جية وذهابا من جنوب افريقيا جنوبا وحتى أثيوبيا شرقا، في مهزلة دبلوماسية نادرة الحدوث، حيث كان قائد التمرد يدخل ويخرج ويتم استقباله أمام الكاميرات دون أن ينطق بكلمة واحدة.

دواعي التحول:

باستثناء مصر وأريتريا ودول المغرب العربي، فإن غالب دول القارة الإفريقية كانت متماهية مع مليشيا الدعم  السريع بشكل وأخر، وهى حالة نادرة أن تعلن دول رسمية انحيازها لمليشيا عابرة للقارات ضد دولة عضو في القارة نفسها وتشاركهم الهموم ذاتها.

هذا الانحياز الصارخ والتواطؤ المفضوح، الذي تورطت فيه معظم دول القارة الإفريقية بشأن انحيازها لمليشيا تتبنى موقفا معاديا للحياة نفسها، يراه مراقبون موقفا مدفوع القيمة، مشيرين إلى أن هناك دولة أغرت رؤساء أفارقة بالأموال والاستثمارات من أجل شراء موقفهم المساند للمليشيا، وفي خضم استقبالهم ل (حميدتي) وتسويقه كرجل دولة تحولوا هم أنفسهم لمرتزقة تباع مواقفهم لمن يدفع أكثر.

عطفا على ذلك يرى مراقبون أن واحدا من أسباب التحول الإفريقي الإيجابي تجاه السودان، هو توقف الدعم وعدم تحقيق وعود الإستثمارات التي تم قطعها، وحدث ذلك بحسب مراقبين لأن الدولة الداعمة أدركت مؤخرا أن المليشيا لن تحقق لها نصرا، وأن الحرب ستستنزفها ماليا غير ما تجره لها من غضب دولي، وهو ما ترجمه قائد المليشيا في خطابه الأخير، حين نبه مرتزقته بعدم إطلاق الذخيرة في الهواء لتوقف الدعم.

الوضع على الأرض:

يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور الفاضل محجوب، أن انتصارات الجيش السوداني على الأرض وسيطرته على الأوضاع واحدة من أكبر أسباب التحول الإفريقي، مشيرا إلى أن أفريقيا الرسمية شعرت في مرحلة ما من الحرب أن المليشيا في طريقها لاحتلال السودان بالكامل، وبالتالي فإن اتخاذ موقف عدائي معها، ليس قرارا سليما، لكنها بدلا من التريث لإنجلاء الأمر بشكل كامل، بحسب دكتور الفاضل سارعت في تبني رؤى المليشيا وتنسيقية (تقدم) المتماهية معها,  وأوضح محجوب أن التحول الإفريقي الحالي تجاه السودان هو بمثابة تصحيح لخطأ مزدوج، خطأ أول يتعلق بانحياز أفريقيا الأعمى للمنتصر غض النظر عن شرعيته وخطأ ثاني يتعلق بتقدير المواقف، فهى وبدون منطق أيقنت أن الدعم السريع سيسطر على السودان، بينما المعركة لم تنجلي والجيش السوداني لا يزال يحتفظ بكامل جنوده وقوته.

ويرى الدكتور الفاضل محجوب،أنه  غض النظر عن قبول السودان بعودته للمنظمة وللاتحاد الإفريقي من عدمه، فإن صورة افريقيا الرسمية ستظل مشوشة على الدوام في العقل الجمعي السوداني، الذي كان يرى قائد المليشيا الذي تنهبه وتقتله يتم استقباله في دول إفريقية بالسجادة الحمراء

سبب أخر:

يرى مراقبون، أن التحول الإفريقي تجاه السودان، جاء عطفا على زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد لبورتسودان مؤخرا، مشيرين إلى أن أثيوبيا هى الحصان الذي يجر خلفه القاطرة، هي بمثابة مفتاح لبقية دول القارة، رغم أن ما أقلق آبي أحمد ودفعه لتحسين علاقته بالسودان لا يعني إفريقيا كثيرا، حيث لدى آبي أحمد تخوف خاص من وصول مليشيا الدعم السريع لسد النهضة، وتضخم احساس الخوف هذا عقب سيطرة المليشيا على سنجة، غير البعيدة عن الحدود الأثيوبية، وهو ما دفع آبي أحمد للمسارعة بزيارة بورتسودان وإنهاء هذا السرطان، وبناء على ذلك يرى مراقبون أن الموقف الإفريقي الذي كان معاديا للسودان بشكل غير مفهوم تحول بالوتيرة نفسها لموقف إيجابي بشكل غير مفهوم أيضا.

 

رؤية الحكومة:

غض النظر عن أسباب التحول الإفريقي المفاجئ تجاه السودان، فإن الحكومة السودانية قابلت هذا التحول بدون حماس وبدون إهمال، ويرى مراقبون أن رد رئيس مجلس السيادة على طلب منظمة ايقاد بشأن عودة السودان، وحديثه عن ضرورة الاعتراف بالخطأ والاعتذار للسودانيين يترجم بشكل حرفي عدم الحماس بهذا التحول وفي نفس الوقت عدم إهماله.