المسكوت عنه في حرب السودان .. جرائم العنف الجنسي صوت مكبوت في ولاية الجزيرة
يطلب هذا التقرير _ منذ البداية _ الإنتباه إلى أن الكتابة حول جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي القائم على النوع تظل محفوفة بالحذر، والتوجس، والكتمان، وذلك للطبيعة الإجتماعية للسودانيين، والتي ترى في مثل هذا النوع من الجرائم “وصمة” تتخطى الضحية، أو الضحايا إلى الأسرة، والقبيلة، والمجتمع ككل، مما يشجّع المعتدين على ارتكاب جرائمهم.
وقد وجد هذا التقرير أن جميع تقارير المنظمات الوطنية، والاقليمية تضع الطبيعة الاجتماعية للسكان المحليين سبباً في تغييب المعلومات الدقيقة عن عدد الضحايا الذين تعرضوا للإغتصاب، والعنف الجنسي سواء كان بولاية الجزيرة- كما يركّز هذا التقرير – أو على مستوى السودان.
ففي وقت مبكّر من دخول قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة في 19 ديسمبر من العام 2023م، وإحكام سيطرتها على عاصمة الولاية مدينة ودمدني تواترت تقارير عديدة عن حالات للعنف الجنسي بالمدينة، وتوسعت تلك الحالات مع الشهور والأسابيع التالية من دخول تلك القوة للولاية، وقد تحمّلت النساء العبء الأكبر من هذه الجرائم.
ورغم التقارير المتوالية عن العنف الجنسي التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة تظل الحالات التي تمّ رصدها غير دقيقة، وذلك يعود إلى أسباب عديدة أولاها حالة الوصمة والحرج الاجتماعي، مضافا إلى ذلك إنهيار المؤسسات الصحية، أو مؤسسات إنفاذ القانون، في تسجيلها لحالات الإعتداءات، كما ساهم غياب شبكات الاتصالات، ونهب هواتف المواطنين من قبل الدعم السريع في الوصول للضحايا، أمر آخر لا يقل أهمية مما سبق وهو أن القيادات العليا، أو القيادات الميدانيه لقوات الدعم السريع لم تحرّك ساكنا لوقف هذه الجرائم، كما لم تعلن نتائج أي تحقيق في شكاوى المواطنين، فعلى سبيل المثال كانت قوات الدعم السريع قد أوفدت اللواء عصام صالح فضيل في الثاني من يناير من العام 2024م في جولة إلى الجزيرة لحسم من سموهم ب(المتفلتين)، وفي لقاء مسجل للواء منشور على شبكة التواصل الاجتماعي “يوتيوب” مع مواطني قرية أم دقرسي نفى أن يكون مرتكبي الانتهاكات من قواته، و قال إنه لن يغادر المنطقة حتى توقف تلك الانتهاكات، لكنها تواصلت بعد ذلك.
ووثقت حملة (معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي) 51 حالة اغتصاب، منها 4 حالات لأطفال، في السودان، و كان نصيب ولاية الجزيرة منها 27 حالة، في الفترة من 29 شباط/ فبراير 2024 وحتى 30 نيسان/ أبريل من العام 2024م، وخلال الفترة من 15 نيسان / أبريل 2023م وحتى 29 شباط / فبراير 2024م وثّقت نفس الحملة ل 326 حالة اغتصاب، منها 137 حالة للأطفال، و 7 للرجال على مستوى السودان.
أما المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي(صيحة) فقد أكدت انها تلقت تقارير تؤكد وقوع حوادث عنف جنسي طالت 29 إمرأة في أعمار مختلفة بمختلف أحياء مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، وفي مدينة الحصاحيصا ثاني أكبر المدن بالولاية، وعلى طول الطريق السريع الذي يربط الولاية بالعاصمة الخرطوم، كانت إحدى الضحايا حاملا في شهرها الثالث، قتلت ودفنت أمام منزلها، وأصيبت والدتها بجراح خطيرة، كما سجلت لجان مقاومة الحصاحيصا حادثة الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له ممرضة بمستشفى المدينة عقب دخول قوات الدعم السريع إليها، حيث هاجم أفراد من قوة الدعم السريع إحدى المرافقات، فتصدت لهم الممرضة المذكورة، فكان نصيبها الضرب والإعتداء الجنسي.
من جهته حمّل الناطق الرسمي لمؤتمر الجزيرة المحامي هيثم الشريف قوات الدعم السريع كل الانتهاكات التي طالت مواطني/ات ولاية الجزيرة، وقال الشريف لـ «التغيير» : مع إنسحاب الجيش من الولاية لم تعد هناك حرب، بل (حرابة) وفقا للفقه القانوني، إذ وجّهت قوات الدعم السريع بنادقها لصدور المواطنين الأبرياء العزّل، فقتلتهم، ونهبتهم، وشردتهم، وهي المسؤولة عن كل تلك الجرائم والانتهاكات، والتي ترقى لأن تكون جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، ولن تسقط بالتقادم).
و تابع الشريف: ولأن الحرب لم تضع أوزارها، ولا تزال قوات الدعم السريع تحكم من سيطرتها على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة فعليها التوقف الفوري عن مهاجمة المدن والقرى الآمنة، والاستهداف الممنهج للمدنيين/ات، والأعيان المدنية، وممتلكات المواطنين، وكل أشكال القتل، والنهب، والسلب، والتحقيق الفوري في كل الانتهاكات، والقتل خارج القانون، وتوقيف جميع الضباط والجنود المسؤولين عن تلك الجرائم، ومحاسبتهم، كما ينبغي على حكومة الأمر الواقع في بورتسودان أن تفسح المجال لإدخال المساعدات الانسانية إلى كل اقاليم السودان بما فيها ولاية الجزيرة، وأن تتعاون مع الجهات التي تحقق في مزاعم الانتهاكات، وعلى رأسها بعثة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الدولية، كما أن على الأمم المتحدة ممثلة في مجلس حقوق الإنسان إلى إيلاء الاهتمام الكافي للتقارير المتكررة عن خطورة الوضع في ولاية الجزيرة، واتخاذ ما يلزم لحماية المدنيين، والعمل على إجبار طرفي النزاع للجلوس على مائدة التفاوض من أجل الوصول إلى سلام شامل، وعادل، ومستدام.