(أصداء سودانية) تحاور الخبير الإستراتيجي البروفيسور محمد حسين أبوصالح(1-2)

 

 

  • الأحزاب فشلت في تقديم فكرة وطنية جامعة لأنها غير مؤهلة لذلك

  • البندقية يجب أن تحمي الوطن ولا تستخدم لمعالجة اختلاف وجهات النظر

  • أي دولة عبرت بعد الحرب العالمية كان التخطيط الإستراتيجي سببا في عبورها

  • يجب أن تكون لدينا ترتيبات للتعامل مع كل الأوضاع لأن العالم لا تحكمه الملائكة

حوار – محجوب الخليفة:

 

بروف محمد حسين سليمان ابو صالح استاذ التخطيط الأستراتيجي بالجامعات السودانية والخبير الوطنى الشهير، عالم تشد له الرحال لأنه يمتاز بخمس صفات مدهشة أولاها الأخلاق العالية ،وثانيها الوطنية المخلصة ،وثالثها العلم الغزير، ورابعها الرؤية الاستراتيجية المحكمة لتأسيس دولة العدل والعلم والرخاء ، وخامسها تعاضد الثقة والحكمة والتفاؤل تجاه المستقبل.

حاورناه ولم نأخذ من فيوض علمه ومعرفته إلا القليل.. تعالوا نقرأ معا كيف كانت إجاباته على اسئلتنا :-

 

*نود أن نتعرف على رؤيتكم حول معضلة الصراع في السودان ،هل هي معضلة ثقافية أم سياسية وماعلاقة النخب بالواقع المأزوم ؟

– معضلة الصراع ثقافية وسياسية معا، و الأزمة في السودان بدأت مطلع الخمسينات، فإذا درست طبيعة الحوار السوداني سوداني والحوار مع الأطراف الخارجية تدرك كنه الأزمة، كان الحوار يدور حول خروج المستعمر من بلادنا ومنحنا الإستقلال أو الإتحاد مع مصر، وأخيرا تم الاستقلال،ونحن فى ذلك التاريخ كنا نتطلع لبناء دولتنا ،فكيف نبني ونؤسس برؤية وخطة دولة، وليس خطة حزب أو خطة قبيلة ، فالبيئة الداخلية فيها الهشاشة الثقافية والسياسية والإجتماعية،

وبناء الدولة تحتاج ترتيبات ثقافية وترتيبات السياسية والإجتماعية والعسكرية والتي نعالج بها تعقيدات النفس البشرية التي تحب المال والسلطة ،أما البيئات الخارجية فيها الفرص الضخمة التي تحتاج للعقل الإستراتيجي الذي يفهم كيف يستفيد من تلك الفرص، فإذا لم تكن لدينا ترتيبات للتعامل مع الأوضاع الداخلية والخارجية فإن الواقع سيرتبك، لأن العالم لا تحكمه الملائكة.

*ولماذا فشلنا بعد الاستقلال في إقامة الدولة الوطنية؟

*ما جرى عندنا فى الخمسينات فقط خروج المستعمر، ونتيجة لغياب الرؤية الوطنية فشلت الحكومة ،وهنا ارتبك الأداء لأنهم كانوا يتعاملون مع بلد معقدة جدا والنتيجة هذب الحكم للعسكر، ودخلنا في دوامة عسكر ثم ثورة شعبية ثم عسكر مرة أخرى، وهكذا إلى أن وصلنا إلى مانحن عليه الآن، وظللنا نطالب منذ عشرين سنة أن السودان يحتاج لتأسيس دولة بإجماع على فكرة وطنية، ولابد أن نؤسس لفترة انتقالية تاسيسية ،والتجارب تقول إن الأحزاب لا تستطيع تقديم فكرة وطنية جامعة لأنها غير مؤهلة لذلك، ولأنها تقدم ايدلوجيا حزبية فقط، بأجندات لجهات أخرى، والصراع الذي استمر لأكثر من سبعين عاما وما نشهده الآن في الخرطوم والجزيرة ووصل سنار، والأحزاب عبر تاريخها كانت تميل للإنتاج العسكرى واستخدام السلاح بدلا من الذهاب إلى البحوث والاتصال بالجامعات والمراكز العلمية وابتكار سياسي يفيد بعيدا عن العسكرين لذا كل الانقلابات العسكرية خلفها حزب سياسي.. واقول بكل شجاعة كثير ممن يتحدثون الآن مسلوبى الإرادة ..والوضع مشوه ويمكن أن نستعيد للذاكرة السودانية الاخطاء الحزبية اول تشوه حركة (أنانيا ون) ،ثم (انانيا تو) ،ثم حركة جون قرنق ،ثم بعد ذلك كانت الأحزاب تهتم بإدخال ابنائها للقوات المسلحة، ولذا كانت الإنقلابات العسكرية هكذا إنقلاب الشيوعين، إنقلاب البعثيين ،انقلاب القومين العرب انقلاب الإسلامين، الانقلاب دائما خلفها حزب سياسي ،مثل انقلاب نميري وكان خلفه الشيوعين ،ثم قرار رئيس الوزراء فى العهد الديمقراطي السيد الصادق المهدي بتأسيس الدفاع الشعبى بحيثيات معينة وتسليح الحزب الإتحادي لقبائل معينة ثم تسليح حزب الامة لقبائل معينة فى دارفور ثم ترتيب الجبهة القومية الإسلامية وقيامها بإنقلاب عسكري فى الثلاثين من يونيو 1989 إنقلاب الإنقاذ (عمر البشير ) ثم انشقاق المؤتمر الشعبى ثم حركة العدل والمساواة وظهرت أكثر من 130 حركة، ثم درع السلام حركة مسلحة ثم اخيرا الدعم السريع وهو الحرية والتغير ولذا نقول إن النضال لم يكن فكريا وإنما كان صراعات عسكريا..والسؤال هل من الممكن أن نتخلص بعد هذه الحرب من هذه الأخطاء ونؤسس دولة تنهض بالنضال الفكري وتجنح للمنافسة الوطنية من أجل وطن معافى من الصراعات؟.

 

*استمعت إلى حديث للعالم المصري فاروق الباز يكشف فيه حقائق تاريخية ويؤكد أن أهل السودان القديم (مملكة نبتة وكوش) هم بناة المدنية الأوائل وانهم اول من وضع أسس الدولة والعمارة، ولكن رغم هذه الشهادة يرى المتأمل لواقع السودان الحالى عجزا واضحا يظهر عدم قدرة السودانيين على تأسيس دولة مؤسسات مكتملة الأركان.

-الدكتور فاروق الباز ذكر حقائق تاريخية عن السودان القديم وغيره من العلماء أمثال بروفيسورعبدالله الطيب، بروفيسور يوسف فضل، و دكتور جعفر ميرغني، وبروفيسور علي عثمان محمد صالح وغيرهم كثير بل أن هناك بحوث ودراسات فى جامعة اكسفورد وفي جامعة هارفرد كلها تؤكد أن السودان القديم كان دولة متقدمة وسبقت الأمم الأخرى في المدن والعمارة وعلوم الهندسة وعلم الفضاء وغيرها، السودان كان دولة تهتم بالعلم والعلماء ولذا كان متقدم، الآن السودان لا يهتم بالعلم والعلماء ولذا تأخر كثيرا، أضعف نسبة فى الميزانية من نصيب التعليم، البروتوكول يضع وزير التعليم فى المرتبة الأخيرة بدلا من أن يكون فى المقدمة، الأزمة التي يعيشها السودان اليوم هي خلل البناء الثقافي والتعليم وغياب إستراتيجية للتعليم والثقافة ، الآن بدلا من أن يتطور التعليم والإبداع والإبتكار وتكريم العلماء واستنطاقهم وإدارة المعرفة وانتشار الجامعات ومراكز البحث العلمى امتلأت البلد بالدبابات والمدافع والأسلحة، واصبح السودان عبارة عن مليشيات مسلحة وهو مشهد مؤلم جدا.

 

*وكيف يمكن أن نرتقي إلى ما كنا عليه؟

-إذا كنا نرغب حقيقة في الوصول بالسودان إلى ما كان عليه من تقدم في تاريخه القديم علينا أولا إنهاء الصراع وعدم إعتماد المواجهات العسكرية، وأن تصبح البندقية تحمي الوطن من اعتداءات الآخرين و لا تستخدم لمعالجة اختلاف وجهات نظرنا ويجب الإهتمام بالعلم والعلماء وتوظيف العلم والعلماء للمنافسة ومن ثم إستخدام العلم والمعرفة الثقافة لتطوير حياتنا في مختلف المجالات ،فبدلا من الذهاب إلى مؤتمرات سياسية في إثيوبيا أو مصر، كان من الأفضل أن يجتمع العلماء لوضع استراتيجيات مفيدة ،كأن يجتمع خبراء الزراعة والهندسة الوراثية لوضع خطط لزيادة وتطوير الإنتاج ،ويجتمع خبراء الإقتصاد لوضع استراتيجية للاستثمار والصناعة وترقية الصادرات، وهنا لابد أن اذكر أنني حصرت أكثر من 115 تخصص يمكن أن يشارك علمائنا في وضع إستراتيجية شاملة للسودان بحيث يمكن ان يشارك اكثر من 20 ألف عالم وخبير في وضع استراتيجية شاملة لتأسيس الدولة ، فالدول التى نهضت مثل أمريكا وسنغافورة واليابان والصين وماليزيا لم تنهض نتيجة لاجتماع سياسين ليوم أو يومين ، السودان يحتاج لخبرات ابنائه العلماء فى مختلف التخصصات لتشكيل قاعدة معرفية مشتركة لوضع إستراتيجية شاملة لبناء الوطن.

 

*ماذا يعني التخطيط الإستراتيجي ؟وما هي أهميته وهل من الممكن إستخدامه لتخليق عقل جمعي إيجابي يسهم في تأسيس دولة بمواصفات عصرية ؟

-التخطيط الإستراتيجي له تعريفات كثيرة و لا مستقبل للسودان بمعزل عن التخطيط الإستراتيجى الذي يعني علم وفن تشكيل وصناعة المستقبل وفق الإرادة الوطنية ،والتشكيل هنا يعنى تشكيل ثقافي سياسي ، اقتصادي جديد، وهكذا زي ما انا بشكّل العمارة حسب ما جاء في الخريطة ، بالتأكيد احتاج للتخطيط الإستراتيجي، وقد ثبت علميا وبشكل قاطع أن أي دولة عبرت بعد الحرب العالمية الثانية كان التخطيط الإستراتيجي سببا مباشرا فى عبورها، الفكرة الوطنية الجامعة تحتاج إلى تخطيط استراتيجي.