“أسراب جراد” تهدد مشاريع السودان الزراعية
يعيش آلاف المزارعين في السودان على وقع المخاوف من غزو أسراب الجراد والقضاء على محاصيلهم ومنتجاتهم قبل بدء موسم الحصاد، في وقت تعاني البلاد من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتزايد معدلات الفقر وتمدد المجاعة.
وشكا عدد من المزارعين في ولاية القضارف شرق الخرطوم من التجمعات الضخمة لأسراب الجراد التي أتت من إثيوبيا، وظهرت بكميات كبيرة على ارتفاعات منخفضة، فضلاً عن انتشارها فوق الأشجار والمنازل، ويخشى مئات الفلاحين من اجتياح الآفة الخطرة لمشروع الرهد الزراعي ومنطقة الفاو وولاية النيل الأبيض، وكذلك مشاريع سنجة والدالي والمزموم.
أخطار ومناشدة
وعبر المزارع عمر هجو عن مخاوفه من تضرر المحاصيل في ولاية القضارف التي تعتمد عليها البلاد في تأمين الأمن الغذائي، خصوصاً بعد اجتياح كثيف للجراد مساحات واسعة في محلية الفشقة ومناطق عدة بالإقليم.
وطالب هجو السلطات المحلية بأخذ الحيطة والتبليغ الفوري للحكومة المركزية، للعمل مبكراً على تحجيم خطر الجراد قبل انتشاره واستفحال الوضع نظراً إلى شح المحاصيل هذا الموسم بسبب خروج معظم الأراضي الزراعية من دائرة الإنتاج، وزهد المئات في ممارسة النشاط نتيجة انفراط الأمن وتزايد عمليات السلب والنهب”.
وتوقع المزارع السوداني ازدياد الجوع في جميع أنحاء البلاد ما لم يتم البدء في إجراءات وتدابير التدخل العاجل لمكافحة الآفة، خصوصاً في ظل خطر نقص الغذاء واعتماد 40 في المئة من السكان على محاصيل الذرة والدخن والقمح في الغذاء الرئيس”.
أهمية المكافحة
من جهته قال المزارع حميدة عبدالغني، إن “أسراب الجراد باتت تقترب من منطقة الفاو، إضافة إلى مشروع الرهد الزراعي، وهي ليست من نوع الجراد الشجري” المعروف محلياً بـ”ساري الليل”، الذي يتحرك ليلاً ويمثل تهديداً للأشجار، وهي جحافل من الجراد الصحراوي الشرس والنهم الذي يستهدف المحاصيل”.
وأضاف أن “حجم الأخطار يتطلب عمليات مكافحة أرضية، فضلاً عن تدخلات جوية من طريق رش المبيدات باستخدام الطائرات لاحتواء الانتشار نظراً إلى وجود الجراد في مساحات متفرقة، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية اكتمال دورة التكاثر لهذه الآفة الخطرة”.
وأوضح عبدالغني أن “السودان يعاني مجاعة تهدد الملايين بسبب الحرب وتداعياتها، من ثم فإن الغالبية تعول على الإنتاج الزراعي في سد فجوة البلاد وتأمين موقف الأمن الغذائي، وحال استهداف أسراب الجراد للمحاصيل والقضاء عليها أو إتلافها سيؤدي إلى احتمال تحقق سيناريو الكارثة المتمثل في المجاعة”.
تدابير حكومية
على الصعيد نفسه، قلل مدير إدارة المكافحة بمصلحة وقاية النباتات السودانية السابق مهدي مصطفى من خطورة أنواع مجموعات الجراد التي تتحرك الآن، كونها ليست من الجراد الصحراوي الشرس والنهم الذي يستهدف المحاصيل”.
وأشار إلى أن “وزارة الزراعة وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، قامت بعمليات مسح والسيطرة على نحو 23 ألف هكتار، كما أن زيارة مدير مكتب الطوارئ والصمود بالمنظمة رين بولسن إلى مدينة بورتسودان في أبريل (نيسان) الماضي أسفرت عن تعاون تقني في الأنشطة المتعلقة بمكافحة الجراد الصحراوي”.
وطمأن مصطفى المزارعين بأن المجموعات التي ظهرت وتثير قلقهم ومخاوفهم بأنها من جراد الأشجار وليست من النوع الصحراوي، وقد خططت وزارة الزراعة لمكافحته من خلال حملات منتظمة، من ثم ينتفي أي تهديد محتمل للمحاصيل والمنتجات”.
تغير المناخ
على نحو متصل يرى، أستاذ العلوم الزراعية محمد المنير حماد أن “تغير المناخ هذا العام أسهم في جعل البيئة أكثر ملاءمة لتكاثر الجراد، مما يعني أن هناك زيادة في عدد هجمات أسراب مدمرة على الزراعة في السودان، ويمكن لهذه الآفة الخطرة إتلاف محاصيل بأكملها في وقت قصير، مما يؤدي إلى نقص في إمدادات الطعام وزيادة الجوع والفقر، وكذلك تهديد الأمن الغذائي”.
وأضاف “يمكن للسرب أن يغطي مساحات كبيرة، قاطعاً مسافة قد تصل إلى 130 كيلومتراً في اليوم الواحد، بسرعة تصل إلى نحو 19 كيلومتراً في الساعة”.
وحذر حماد من أن أسراب الجراد تمثل كارثة على المحاصيل الزراعية إذ إن طناً واحداً فقط من الجراد الصحراوي يمكنه أن يلتهم في اليوم الواحد الطعام الذي يكفي لإشباع 2500 شخص من المحاصيل، كما أن كل جرادة تستهلك غرامين من النباتات يومياً، من ثم فإن سرباً من 80 مليون جرادة يلتهم ما يعادل استهلاك 35 ألف شخص يومياً من الطعام”.
تحذيرات دولية
إلى ذلك، حذرت وكالات الأغذية التابعة للأمم المتحدة من تفاقم مستويات الجوع خلال الأشهر السبعة المقبلة في أجزاء كثيرة من العالم، وأكثرها إثارة للقلق السودان وغزة وجنوب السودان ومالي وهايتي.
وأشارت إلى أن “الصراعات والعنف المسلح يتسببان في معظم حالات انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع المناطق التي تمت دراستها خلال التقرير نصف السنوي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي.
وقالت وكالات الأغذية الدولية، إن “مئات آلاف النازحين في السودان بسبب النزاع سيواجهون المجاعة”.
أكبر القطاعات
ويعد القطاع الزراعي من أكبر القطاعات الاقتصادية في البلاد، ويسهم بنحو 44 في المئة من إجمالي الناتج القومي.
ويعتمد ما يزيد على 60 في المئة من سكان السودان على الذرة الرفيعة والدخن، فيما تقدر مساحة الزراعة التقليدية بما يقارب 20 مليون فدان، تتركز في الغرب والجنوب وأجزاء من وسط.
وتسهم هذه المناطق في نحو 90 في المئة من الدخن و48 في المئة من الفول السوداني و28 في المئة من السمسم، وكذلك 11 في المئة من الذرة الرفيعة و100 في المئة من الصمغ العربي، إلى جانب بعض المحاصيل الأخرى.