مشاكل الشباب المراهق في الغربة .. مراهق سوداني بسجن آيوا يروي قصة قتله لعشيقته (قضية)

 

هويدا عوض الله_ امريكا

جريمة غريبة يتناقلها الشارع بولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية بطلها شاب سوداني في الرابع والعشرين من عمره ينزوي داخل حراسته بسجن أيوا متهماً في جريمة قتل فتاة سدّد لها عدة طعنات لتخرج الجريمة على قنوات الأخبار وتصيب المجتمع السوداني بالخوف والفزع وصورته قاتلاً محترفاً بعد أن تعرض صوره لونه الأسود وعضلاته البارزة ووجهه الصلب فيتخيل للمشاهد أنه سفاح لا رحمة فيه لذا جلست معه والخوف يملا قلبي داخل سجنه ليروي لي القصة الكاملة لحياته وحتى وصل به الطريق للزنزانة..


«الديسكو» يتحدث:
أنا كغيري من أبناء منطقتي كنت أعيش مع أسرتي بمدينة واو بجنوب السودان، أعيش هانئاً وسط أشقائي الثلاثة وشقيقاتي الخمس، وكان والدي يعدني لاستلام المسؤولية بدلاً عنه باعتباري أكبر أخواني لذا عارض فكرتي في السفر للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن طلب أبناء عمي المقيمين هناك الحضور وأصر على بقائي ببلدتي لرعاية الأسرة خاصة وأن الشيخوخة بدأت تظهر ملامحها على وجه وجسد والدي حاولت أن أضغط على نفسي لتحقيق رغبة والدي ولكن الطموح كان يزيد أكثر وأصبح السفر لأمريكا طموحاً وحلماً أصررت على تحقيقه فحزمت حقائبي امتطيت القطار تلو الآخر حتى حضرت للخرطوم، وأكملت اجراءات سفري للولايات المتحدة بعد رحلة من العناء ولكن تحققت أمنيتي واستقريب بولاية أيوا ولم أضع وقتاً ألتحقت لاكمال دراستي في جامعة «أيوا» وحاولت الالتحاق بوظيفة لكن امكانياتي العلمية لم تساعدني في عمل محترم فأصبحت أمتهن مهن هامشية أتلق منها 500 دولاراً في الشهر فقد كنت أعمل في كافتيريا وفي بعض المرات أنقل الطلبات للزبائن بمنزلهم لأخذ (بقشيش) يزيد من دخلي الشهري ولم أكن أملك مسكناً فقط كان هناك صندوقين أنام على أحدهم وعلى الآخر ينوم زميلي وبقيت على هذه الحالة ثلاث سنوات وبدأت أشعر باليأس والملل وأحسست أني لو كنت في بلدي لكان وضعي أفضل وفي هذه الفترة تعرّفت على فتاة تدعى «كريستينا» وكانت حقاً فتاة خفيفة الظل متواضعة تتحدث بتلقائية تماماً مثل بنات بلدي لذا أعجبتني وكنت أشعر براحة نفسية عندما أقابلها أو أسمع صوتها وفكرت في أنها ستكون لي زوجة فأصبحت أتردد عليها بمنزلها مرتين في الأسبوع حتى نشأت بيننا علاقة عاطفية وكنت لا أرفض لها طلباً وبعد فترة بسيطة بدأت أشعر بأنها تغيّرت في ناحيتي فأصبحت تتحاشى الالتقاء بي وكنت ألاحظ عند زيارتها في المنزل عدم وجودها، وإذا وجدتها كانت تتحاشى الحديث في مستقبل علاقتنا حتى عرفت الحقيقة من صديقتها بأنها ارتبطت بعلاقة مع شاب آخر ووقع الحديث على رأسي كالصاعقة وأحسست بالدماء تغلى في عروقي حتى جاء ذلك اليوم الذي قررت فيه أن أزورها عند صديقتها بعد أن عرفت بأنها تقيم معها وأحسم معها هذا الموضوع وعندما صعدت للمنزل بالطابق السادس وفتحت صديقتها الباب دلفت للداخل ووجدتها وبدأت أتناقش معها ولكنها كانت حادة في ردها فأخذت تلعنني وتصفني بالجبان فلم أتمالك أعصابي فأسرعت نحوها وأطبقت بكلتا يدي حول عنقها فأخذت تصرخ وتستغيث ولكن ضغطت أكثر لتخار قوتها فأسرعت إلى المطبخ وحملت سكين وطعنتها ثلاث مرات واستوعبت بعد أن شاهدتها تسقط وسط دماءها وعاد إلى رشدي ولكن بعد فوات الأوان.

 

{ تحليل القضية :
تم عرض القضية على الطبيب النفسي بالسجن ديفيد دوق ليوصف لي شخصية المتهم وحجم التأثير الذي وقع عليه عندما انتقل من قرية بجنوب السودان لإحدى كُبريات المدن الأمريكية، فقال لي هذا الشاب يعاني من سوء تكيُّف مع البيئة المحيطة به فالشخصية السوية هي التي تشبع حاجاتها العضوية عن طريق التوافق النفسي والاجتماعي الذي يتناسب مع الظروف المحيطة به. فقد واجه عقبات مادية ونفسية ولم يستطع تعديل سلوكه بالاستجابة لتغيُّرات البيئة التي ينتمي إليها وهو ما يُطلق عليه «عملية التكيُّف» أو عملية التوافق النفسي والاجتماعي. فالإنسان يعيش في بيئة اجتماعية قد تختلف تماماً عن بيئته وحياته. من هنا يجب ألا يُنظر إلى هذه البيئة التي قد تدفعه إلى الحقد والكراهية والعنف والغيرة والحسد ولكن عليه الاجتهاد والكد والعرق لينال متطلباته في حدود امكانياته وبذلك يرضي حاجياته المادية والمعنوية المتعددة ويبلغ أهدافه المتوازنة التي تتناسب مع ما يُبذل في سبيل تحقيقها، وقد يواجه موانع وعقبات وصعوبات مادية واجتماعية ويجد نفسه مضطراً إلى التوفيق بين حاجته وإمكانات البيئة التي يعيش فيها وهذا يتطلب تعديل سلوكياته وأن يتمتع بضمير حي وقيم أخلاقية وثقافية تعينه على مواجهة المواقف الصعبة والأزمات النفسية في حياته وتحمل الألم ويصنف د. ديفيد دوق أن فشل الإنسان واحباطاته ومعاناته النفسية تجعل حياته جحيماً وتصيبه بالتوتر والقلق وتزيد لديه حالات العدوانية والعنف وهو ما حدث للمتهم بعد أن فشل في الحصول على وظيفة مناسبة له ويعاني أزمة مادية في تدبير تأسيس أسرة وأيضاً فشل عندما اختار طريقاً عاطفياً محرماً لم يجن منه شيئاً ليعوِّض به حرمانه العاطفي وبذلك فقد فشل في تحقيق كل خطوات التوافق الاجتماعي الذي أدى به إلى الهلاك والضياع.