نتيجة حبسه وتعذيبه بواسطة المليشيا .. طبيب سوداني يتحول إلى قاتل بسلطنة عمان

 

  • قتل مواطنا من بنجلاديش بالطريق العام وشرطة صلاله تلقي القبض عليه
  • القاتل يعترف للشرطة العمانية ويقر بإرتكاب جريمة القتل بدواعي الشرف
  • الاستاذة راشدة المحامي: مصير فاقد العقل القاتل يعتمد على تقرير الطبيب النفسي

متابعة – التاج عثمان:
الجرائم التي إرتكبتها مليشيا الدعم السريع المتمردة ضد الشعب السوداني تسببت في شروخ نفسية عميقة لدى الكثيرين وظلت تلاحق الذين إختاروا النزوح خارج السودان.. طبيب سوداني حديث التخرج تعرض للإعتقال والضرب والتعذيب ونهب منزل أسرته وكل ممتلكاتهم بالخرطوم وبعد إطلاق سراحه من الجنجويد نزح إلى سلطنة عُمان وهناك بدأت تنتابه أعراض نفسية وهواجس تسببت في إرتكابه لجريمة قتل مفجعه لوافد من بنجلاديش مقيم بالسلطنة.. التحقيق التالي يكشف التفاصيل الكاملة لهذه القضية التي شغلت الرأي العام العماني والجاليتين السودانية والبنجلاديشية بسلطنة عمان

في قبضة الجنجويد:
تخرج من كلية الطب بإحدى الجامعات المرموقة بالسودان، بعدها إندلعت الحرب في الخرطوم فلم يهنأ طويلا بفرحة تخرجه كطبيب.. ويشاء حظه العاثر إلقاء القبض عليه بواسطة جنود من مليشيا الدعم السريع المتمردة تعرض خلالها للضرب والتعذيب والتنكيل والإساءة والقهر والذُل ليس لسبب سوى لأنه طبيب.. وبعد فتره قضاها في سجون المليشيا أطلق سراحه لكنه خرج من معتقله إنسان مختلف تماما. أصيب بشروخ نفسية عميقة جراء التعذيب والقهر خاصة ان زملائه يؤكدون حساسيته المُفرطة.
وبعد فترة قصيرة من خروجه من قبضة المليشيا قرر اللجوء لسلطنة عمان والتي وصلها في أبريل الماضي، وهناك بدأت تنتابه بعض الأعراض النفسية حيث أصبح منعزلا تماما يتحاشى الإختلاط بالآخرين وأصبحت تنتابه بعض الظنون والشكوك والاوهام بان هناك أشخاصا يلاحقونه وينوون إيذائه.
تفاصيل الجريمة:
الواقعة حدثت بتاريخ الثاني من أكتوبر الماضي، ومسرح الجريمة التي إرتكبها الطبيب السوداني حديث التخرج كان أحد الطرق بمنطقة صلالة بسلطنة عمان، حيث تصادف وقت تواجده هناك مرور وافد من دولة بنجلاديش بالقرب منه وفجأة ومن دون مقدمات إنهال عليه بالضرب بسكين واصابه بعدة طعنات حتى سقط ارضا.. شاهد أحد المواطنين حادث الإعتداء فاتصل من فوره بشرطة صلالة والتي خفت لمكان الحادث فوجدت ان البنجلاديشي المجني عليه غارقا في دمائه مفارقا الحياة، وتم القبض على المتهم الطبيب السوداني لاحقا، بينما تم نقل الجثة للمشرحة.
والغريب أن الطبيب في التحري معه لم ينكر جريمته مشيرا إلى أنه قتل البنجلاديشي بداعي الشرف.. ولقد كشفت كاميرا المراقبة بالمنطقة الجريمة بجانب عدد من شهود العيان الذين تصادف مرورهم قرب مسرح الجريمة لحظة إرتكابها مشيرين ان السوداني هو الفاعل.. وبعد الفراغ من التحري تم إيداع الطبيب السوداني المتهم بالحبس، كما تمت إحالة أوراق القضية بواسطة الادعاء العام بالسلطنة إلى رئيس محكمة الإستئناف للنظر فيها وتقديم المتهم للعدالة.
الرأي القانوني:
عرضت تفاصيل القضية على الأستاذة راشدة إسماعيل مكي المحامي سالتها أولا:
*ما هو التفسير القانوني عندما يرتكب فاقد عقل او مصاب بأعراض نفسية معينة جريمة قتل؟
ــ معلوم ان عقوبة القتل العمد للمتهم السليم عقليا هي الإعدام، اما فاقد الاهلية فلا يشمله هذا الحكم لأنه غير سليم العقل.
*الفقه الإسلامي يشير انه لكي تثبت العقوبة على متهم ما يجب توافر ثلاثة عناصر هي: تعمد ــ قصد ــ إرادة حرة مختارة وعلم بالنهي عنها.. فهل ترين ان الجريمة التي نحن بصددها تشملها هذه العناصر؟
ــ هذه العناصر لا تنطبق على حالة الطبيب السوداني قاتل البنجلاديشي لانه ليس متعمدا ولا قاصدا إرتكاب الجريمة وتعوزه الإراده الحرة لكونه مختل العقل او يعاني من اعراض نفسية معينه تجعله غير قادرا على إدراك ما يقوم به من جُرم.. فالقانون الوضعي يشير إلى أهلية الجاني والقصد الجنائي بالنسبة للشخص السليم والذي يكون على علم بعقوبة الجريمة.
*متى تلجأ المحكمة الإستعانة بالطبيب النفساني لتشخيص حالة المريض العقلية؟
ــ عندما يشكك الدفاع في سلامة الحالة العقلية والنفسية لموكله المتهم ومطالبته المحكمة بالتريث في إصدار الحكم لحين عرض المتهم على الطبيب النفساني وكتابة تقرير بحالته للمحكمة.. وبعض المحاكم تستعين بكنصلتو نفسي لفحص المتهم وتحرير تقرير طبي للمحكمة بحالته العقلية.. واحيانا تقدم هيئة الدفاع عن المتهم خبير نفساني ــ شاهد دفاع ــ لشرح حالة المتهم العقلية لحظة إرتكابه الجريمة، لكن التقرير الطبي هو الذي تعتمد عليه المحكمة عند إصدارها الحكم النهائي لكونه يحدد مدى مسئولية المتهم عن جريمته.
*ذلك يعني أن مصير المتهم بجريمة قتل والمشكوك في صحته العقلية من جانب محاميي الدفاع تعتمد في الأساس على التقرير الطبي للطبيب النفساني المختص الذي تختاره المحكمة بواسطة وزارة الصحة؟
ــ أجل.
*وكيف تتصرف المحكمة مع بعض المتهمين الذين يدعون ويمثلون أمام المحكمة بقيامهم بتصرفات جنونية داخل المحكمة لإثبات انهم يعانون من الجنون للإفلات من العقوبة؟
ــ مثل هذه التصرفات لا تنطلي على القضاة، ويمكن إحالة مثل هذه الحالات المدعية للجنون للطبيب النفساني لكشف حالته النفسية الحقيقية طبيا.
*وإذا أثبت الطبيب النفساني إختلال عقل المتهم، فما حكم المحكمة في هذه الحالة؟
ــ بالطبع المحكمة لن تحكم عليه بالإعدام بل تحوله للمصحة النفسية التابعة للدولة.
*وإذا أقرت المصحة النفسية إستعادة المتهم لصحته بعد إخضاعه للعلاج وأصبح في كامل قواه العقلية.. فهل تستمر المحكمة في حبسه داخل المصحة والتي هي بمثابة سجن له؟
ــ في هذه الحالة تقوم إدارة المصحة النفسية بمخاطبة المحكمة المختصة التي أصدرت الحكم على المتهم، وإخطارها أن المتهم تعالج من حالته المرضية العقلية.. ذلك أن المحكمة التي أصدرت الحكم على المتهم هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في إتخاذ القرار بعد شفاء المتهم.