![](https://asdaasudania.com/wp-content/uploads/2024/09/IMG-20240907-WA0010-589x430.jpg)
دابَّة الأرض
كتابات ممنوعة_ الشيخ يوسف الحسن
هذا هو الطبيب النفسي الخامس الذي يقابله وجميعهم يؤكدون أن الرجل لا مجنون لا عندو أعصاب، وكان الخامس بالذات، قد ترك المسألة الطبية وحوّلها إلى حكاية (عرس وما عرس) وحكاية شاكوش حسب اعتقاد أحد أصدقائه الذي يصر على أنه (كلو من البِتْ دي)، وقال له الدكتور وهو يبتسم: يا كمال ما تعرس ياخينا كدي سيبك من الدابة الساكاك وساكة الناس، فيقاطعه كمال: وبتبلع في البتلاقيهو كلو قدامها، دي بتبلع ناس على بيوت على عربات (أرورووك جات جات امسكوها بلعتني).
يخرج من عند الطبيب السادس فيتعثر وتسقط قطعة القماش وسماعات الأذن التي دائما ما يغطون بها عيونه وأذنيه حتى لا يرى الركشة أو يسمع شخيرها (طططط) وكان كلما يراها أو يسمعها يصرخ ويجري في كل مكان، ولسوء الحظ تأت ركشة مسرعة وجعيرها يصن الآذان، فيرتجف ويضع أصابعه في أذنيه، ويصرخ: دابة الأرض جااااتكم (عوووك القيامة قامت يا ناس القيامة قامت)، ويسقط مغمى عليه، فيحملونه إلى منزله وهو يرفس مثل الخروف المذبوح وزبده يتقطَّع من فمه كالقطن.
وأخذوه إلى مكان ريفي بعيد حيث لا توجد ركشات، كما أن شيخ طريقة أهله كان قد أرسل يطلبه مؤكداً أن (الولد دة مرضو مرض فقرا ما مرض دكاترة)، وفعلا تحسنت حالته وعاد تدريجياً لحياته العادية، إلى أن جاء أحد المجانين الجدد يقوده أهله وكان سائق ركشه فقد عقله بسبب حادث حركة، وحالما أدخلوه المسيد حتى أصدر صوتاً مثل صوت الركشة (طررر) وهو يحرك يديه كأنو سوَّاق ووقف أمام صاحبنا: أركب يا اخينا اركب، فصرخ الأخير (واااي الدابة جاااتكم القيامة قامت).
لكن وصول اسماعيل ود التاية رفيق الطفولة والصبا لكمال إلى القرية النائية بعد أن سمع بمرض صديقه كان مثل الموية التي صبت فوق (اللبن الفاير)، فعند دخوله كان الحيران يقاومون الرجل الثائر لأجل وضع القيود حول يديه ورجليه وهو يصرخ فيهم (ها ناس فكوني واجروا الدابة بتبلعكم القيامة قامت)، فما أن رآه كمال حتى هدأ وبرك على الأرض ودخل في نوبة بكاء حارَّة ونشيج، وبهدوء مد اسماعيل يده إليه فامسك بها ووقف ووقع في أحضانه وهو يهزي (صاحبي الفاهمني جا).
وبالفعل بعيداً خارج القرية جلسا على الرمال الباردة وكان كمال يحتسي شراباً مهدئاً جاءه به (سُمعة) من عند الطبيب، فقال له اسماعيل: كدي اسمعني يا كيمو، دة شنو البتسوي فيهو دة دابة شنو ومعقوله تصل لي درجة كواريك وجري، فيضحك كمال: ياخ كواريك شنو عاين عاين، وبالفعل يتغيَّر المشهد أمامهما فيمسك اسماعيل وكمال بتلابيب بعضهما وهما يشاهدان هذا المشهد المرعب.
كانت حيَّة طويلة تمشي زاحفة على الأرض وتصدر صوتاً مدوياً مجلجلاً، وتبدو وكأنها ملايين الركشات ملتصقة ببعضها، فصرخ ود التاية (واااي الدابة) وتعلَّق بعنق كمال الذي بدا أول وهلة أثبت منه، ثم شاركه الصراخ وانطلقا جرياً والدابة العملاقة فاغرة فاهها العظيم وهي تبتلع الناس والحيوانات والبنايات والعربات والشاحنات والشجر وكل شئ فتحول الأرض التي تمر عليها جرداء.
و(دي آخر حاجة اتلقت في الحفريات)!!